
ما زالت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب تؤكِّد على مسألة بسط الكيان الصهيوني سيادته على كامل التراب الوطني الفلسطيني تأييداً لمخططات رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الهادفة إلى السيطرة الكاملة على أراضي الضفة الغربية والتي يُطلَق عليها ( يهودا والسامرا ) وغور الأردن ، ومع ذلك فإنَّ اعتبارات حزبية وسياسية أمريكية داخلية كفيلة بأن تلعب هذا الدور في كل جلسات الإدارة الأمريكية التي تخص الكيان والمنطقة العربية . فالرئيس الأمريكي ترامب هو الرئيس الأكثر تأييداً للكيان بين ما وصلوا إلى البيت الأبيض في أي وقتٍ مضى . بخاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والاعتراف بسيادة الكيان على هضبة الجولان ، ورفض الاتفاق النووي الإيراني ، لذا فهو سيفي بوعده في موضوع سيادة الكيان على ( يهودا والسامرا) وسيعترف بتلك السيادة على الاستيطان وغور الأردن دون تردُّد . لكنَّ نتنياهو حين عرض خطته في كانون الثاني حصل أمران غيرا الصورة الحزبية داخل الكيان أمام دونالد ترامب .
الأول : عدم التأييد من جانب وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس لبسط سيادة صهيونية كاملة ، وإلى جانب هذا قام وزير خارجية الكيان بالتآمر مع بيني غانتس في إحداث فتحة للديمقراطيين لمهاجمة دونالد ترامب الذراع اليهودي في الحزب الديمقراطي وكان يعمل منذ عدة أشهر على شن حملة تدعي بأنَّ دونالد ترامب رجل خطير على اليهود وهو لا سامي بالمجمل . إنَّ اعتراض حزب ( أزرق ـ أبيض ) الذي يترأسه بيني غانتس وهذا الحزب هو ائتلاف سياسي وسطي ليبرالي إسرائيلي تم التحالف بين ثلاثة أحزاب سياسية وهي حوسين ليسرائيل وهناك مستقبل وتلم .بمعنى أنه حزب قوي وله ثقل كبير في اللوحة السياسية في الكيان الصهيوني هذا الحزب اعترض على خطة السيادة وبالتالي هذا يعني أنَّ بيني غانتس وإشكنازي سيصبحان بطلين في حملة اليهود الديمقراطيين ضد دونالد ترامب .
الأمر الثاني : إنَّ اعتراض مجلس( يشع ) بالعبرية اختصار للكلمات ( يهودا ، شمرون ، عزة ) أي الضفة الغربية وغزة ، وهذا المجلس عبارة عن هيئة تمثل المجالس المحلية والاقليمية في المناطق المذكورة سابقاً، وهدفها وضع الاستيطان الصهيوني في سلم أولويات حكومات الكيان الصهيوني لتخصص ميزانيات هائلة لتشجيع الحركة الاستيطانية. هذا المجلس الخاص بالمستوطنين اعترض على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام قلل تأييد المسيحيين الإنجيليين الذين يتبعون الكنيسة الإنجيلية المشيخية، لخطوات الضم . صحيح أنَّ موقف مجلس ( يشع ) لم يدفع الإنجيليين لتأييد الديمقراطيين ، ولكنه فَتُرَ حماسهم للموضوع وإنَّ تأييد دونالد ترامب للسيادة الذي ندَّد به مجلس ( يشع ) لن يساعد أو يساهم في إعادة إشعال حماسهم من جديد . مع علمنا المسبق أنَّ إغراءات الضم كبيرة جداً دون أدنى شك بالنسبة لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الذي ستستأنف وقائع محاكمته بتم الفساد خلال مدة قصيرة ، وهو بحاجةٍ ماسة للقيام بإنجاز يعتبره انجازاً تاريخياً يجعل منه بطلاً قومياً لدى الأحزاب والقوى الدينية واليمينية المتشدِّدة .أما الإراء في حالة دونالد ترامب فهو كبير أيضاً لا سيما أنه يحصل قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وهذا يعزِّز دعمه لعملية الضم موقفه داخل كتلته البرلمانية الصلبة وفي القلب منها اليمين المتطرف المتشدِّد إضافةً إلى المسيحيين الإنجليكيين أتباع الكنيسة المشيخية .
في جملة الأمر لا يعني هذا أنَّ الاعتبارات الحزبية سترجِّح الكفة ، فهناك ما يكفي من الأسباب الإخلاقية والاستراتيجية ثقيلة الوزن التي يمكنها أن تبارك السيادة الصهيونية على المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر المييت ، كما أنَّ معظم سكان الكيان الصهيوني ومعظم النواب ومعظم الوزراء في حكومة الكيان يؤيدون السيادة . فضلاً عن ذلك ليس الكيان ولا خطة السيادة هما اللتان ستحسمان نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر تشرين الثاني ، غير متناسين حجم الحريق السياسي في شوارع الولايات المتحدة الأمريكية والصعود الدائم في عدد الموتى بفعل فيروس كوفيد 19 ( كورونا ) ، إضافة إلى انحسار الوضع الاقتصادي وتراجعه الملحوظ ، كل ذلك سيحسم مصير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرئيس مقبل لولاية ثانية .
ما يهمنا نحن العرب لهذا الجدل الساخن هو أنَّ الرافضين لقرار الضم من الأمريكيين لا يعتبرونه جريمةً ضد شعبنا العربي الفلسطيني ، ولا تعنيهم حقوق هذا الشعب ولا يكلفون أنفسهم عناء الحديث عن الضلم والقهر والحرمان الواقع عليهم . وبالتأكيد فإنَّ الدوافع الأخلاقية غائبة تماماً في خطاباتهم المطوَّلة وتصريحاتهم التي تحمل بين طياتها الانتقاص والتهديد والوعيد ضد شعبنا الفلسطيني ، وإنما المحرِّك الرئيسي لهم هو مصلحة الكيان الصهيوني .