من الصعب علينا أن نحدِّد تعريفاً دقيقاً للوطن ، لأنَّ الوطن شيئ له علاقة بالوجدان والشعور والحس الداخلي ويميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية . كما تتخلله بعض الميزات والخصائص التي ترتكز بشكل أساسي على الحب وما يتضمنه من أشكال مثل: الاحترام والتقدير والانتماء والفخر السياسي والاجتماعي والابدلعي والأدبي، وقد يكون على شكل قصائدَ تتغنى بالوطن وبالدفاع عن الحرية ومدلولها فيه أو على شكل شعورٍ بالحماسةِ عند سماع الأغاني الوطنية المعبِّرة عن عظمة وقوة وجمال الوطن.
الوطن هو المكان الذي يضمّنا بين أحضانه الدافئة ، هو البيت الكبير الذي تستريح فيه النفوس وتطمئن ، وتأوي إليه الروح، وهو الأرض الرحبة التي نحيا فيها ونموت وندفن فيها، ونأكل ونشرب من خيراتها ونتنشق هوائها . فإن سافرنا نشتاق إليه ويصيبنا الحنين ( الناستالوجيا) ، وإن عدنا إليه قبّلنا ترابه شوقاً وشغفاً وحباً، فالوطن ليس مجرد كلمة تُقال بشكلٍ عابرٍ، إنما مفهومٌ واسعٌ باتساع الحياة، فهو البيوت والشوارع والمدارس والجامعات، هو المساجد والكنائس والأبنية والعمارات والأشجار والورود، والأهل والأصدقاء. مفهوم الوطن يكون بالانتماء إليه، والحفاظ على ممتلكاته ومقدّراته،ونعمل على بنائه وتطويره ونعزز فكرة الغيرية ، والدفاع عنه في السلم والحرب، فالوطن الذي يعطينا الأمن والأمان والاستقرار، يحقّ له أن نخدمه ونحرسه وندافع عنه بكل ما نملك ،ونمدّ له أيدينا ليمسك بها ويمضي للتطور والتقدم والعلم والمعرفه. إنَّ الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، فنحن لنا تاريخ تليد ،ولنا قصصنا وأساطيرنا وكتبنا ودياناتنا ورقصاتنا وأنواع طعامنا وشرابنا، وأنه دراسة في عبقرية الزمان والمكان .وأنّ الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون فكان وطننا العربي مهد الحضارات الإنسانية ومهبط الرسالات السماوية ومنتج الأبجدية الأولى في التاريخ الإنساني، الوطن عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقي للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحُثّه على العمل والإنتاج والتفاؤل رغم كل الأزمات والمشاكل. 
وطننا الغالي فلسطين تمت سرقته في وضح النهار ، وبات جريحا وتنتهك حرماته ليل نهار ، وبذلنا وما زلنا نبذل الغالي والرخيص في سبيل تحريره . هو أطهر بقعة في الأرض . وكلُّ حبة تراب فيه مقدَّسة لأنها ممزوجة بدماء الشهداء والمظلومين. فلسطين هي جنة الله على الأرض.

إنَّ إشكالية مفهوم الوطن تسحبنا إلى مزيدٍ من التساؤلات التي منها : هل يمكن أن يتكون الشعور بالانتماء لوطنٍ ما لمجرد أن يتمتع الإنسان فيه بمقومات العيش الرغيد مثل الاحتياجات الأساسية أو الرفاهيات أو الشعور بالعدل والمساواة أو حفظ الحقوق أو احترام وتقدير ذات الإنسان فيه، وإنه لمن المؤكد أن مفهوم الوطن يختلف بين الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يقدرون حتى على تأمين قوت يومهم، أو الذين هم تحت سياط الجلادين والطغاة ، وعن الذين يعيشون في مجتمعاتٍ تتحمل فيه الحكومةُ مسؤولية مستوى المعيشة وتطبّق فيها نظام الرفاهية الذي يقوم على المساواة في توزيع الموارد. نحن نعرف أنَّ الوطن هو المكان الذي يجب أن يحس فيه المرء بأنَّ له حصة من خيره وأن يتم توزيع الثروة بشكلٍ عادل ولا يشعر فيه بالتهميش أو الظلم، حتى يتولَّد داخله ذلك الانتماء الذي يمكّنه من الدفاع عنه وبقناعةٍ كاملة في يومٍ ما ويبذل في سبيله الغالي والنفيس والدم . الوطن هو أوسع من مجرد مكان. إنَّ واجب تعزيز مفهوم الوطن يقع على عاتق أبنائه الأوفياء المخلصين، هم وحدهم القادرين على تعزيز هذا المفهوم وما يتضمنه ، والقيام ببناء حضارة وطنية إنسانية عريقةٍ تظل شامخةً عبر الأجيال، كي تكون فخراً للوطن وأبنائه. لتعزيز مفهوم الوطن يجب أن يتمّ تعزيز البنى التحتيّة فيه،وتقديم كل الاحتياجات الأساسية للمواطن وإقامة الحضارة العمرانيّة ومد الجسور وشق الطرق ، التي تعدّ من أساسيات الوطن الذي يقدمّ المأوى لمواطنيه، ويجب الاهتمام بالتعليم والصحة والزراعة والصناعة، والجوانب السياسية والأمن، والعمل على نشر ثقافة التضحية والعطاء والمحبة فلا يمكن فصل هذه الأقسام أمن هذه الأشياء عن مفهوم الوطن، لأنها أشياءٌ مترابطةٌ ببعضها البعض ومكملة بعضها ، وتُعبّر عن تكامل مقدّرات الوطن معاً، كي تصنع منه قلعةً حصينةً لا يستطيع الأعداء اختراقها. مفهوم الوطن لا يشمل الجوانب المعنويّة فقط، بل يتعداها ليشمل الجوانب الماديّة والإنسانية معاً، حيث يعتبر هذا المفهوم مزجاً بين ما يشعر به المواطنون من حبٍ وولاءٍ وانتماء، وبين ما يقومون به حرصاً على وطنهم ومكوناته ، وما يبذلونه من جهدٍ لأجل سموه ورفعته، فالوطن أكبر من أن ينحصر في أعمالٍ قليلةٍأو محدودة ، لأنّه أغلى من المال والأهل والولد وكل ما نملك على الصعيد الشخصي، وربما لا يعرف مفهوم الوطن أكثر من شخصٍ تغرّب عنه، وذاق مرارة البعد والحنين إلى الوطن ( الناستولوجيا)، فمن ابتعد عن وطنه، عرف قيمته على أكمل وجه، والإنسان بلا وطن، يعيش في غربةٍ دائمةٍ لا نهاية له واغتراب حقيقي كذلك ، حب الوطن وتعزيز مفهومه أمرٌ يأتي مع الفطرة الإنسانية ، لا يمكن تعليمه بل العيش فيه وبثقافته حتى يعرفه لقد تعلمنا حب فلسطين على الرغم من أنَّ ملايين اللاجئين الذين عاشوا النكبة لم يعيشوا فيها ولا شاهدوها إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام ، فحبّ الوطن يأتي منذ أن يفتح الطفل عينيه ليرى أمامه أمه، فيبدأ مفهوم الوطن الصغير بالتشكل لديه، ثم يمتدّ ليشمل البيت، فالقرية، فالمدينة، فالوطن كله، وكلما كبر أكثر اتسعت رقعة الوطن في قلبه، وتحدّدت ملامح مفهوم الوطن في حروفه، لذلك سيظل الوطن بكلّ ما فيه أغلى المفاهيم التي نعرفها وأثمنها، وأكثر المفاهيم التي لا يختلف على تعريفها اثنان، لأن الوطن فوق الجميع وعلم الوطن هو رمز الوطن الذي نحب .
 تحيا فلسطين حرَّةً عربية.
calendar_month08/07/2020 07:56 pm