تعتبر الليبرالية الاقتصادية هي ذاتها السياسة الاقتصادية المتمركزة في الليبرالية الكلاسيكية ،والتي ترفضها بشدة الليبرالية الإشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية .وهي في الحقيقة فلسفة اقتصادية تدعم فكرة اقتصاد عدم التدخل . لأنَّ أنصار الليبرالية الاقتصادية يعتقدون أن الحرية السياسية والاجتماعية لا يمكن فصلها عن الحرية الاقتصادية أبداً ،ويستخدمون حججا فلسفية عديدة لتأييد الليبرالية الاقتصادية والسوق الحر ،وتعارض بقوة تدخل الدولة في السوق ، وتدعم أكبر ما يمكن دعمه من التجارة الحرة والتنافس الحر. 
كما أنَّ الليبرالية الاقتصادية ترتد إلى مبدأين إثنين : الأول :حرية التملك، والثاني : الحق في المنافسة الحرة .أما حرية التملك فإنها تقتضي الحق في حيازة حرية الاستثمار بشكلٍ حر ،لأنّ في هذا تأكيداً وتعظيماً للملكية الخاصة ،ويفترض الحق في المنافسة رفعاً لقيود الدولة عليها وتحريراً للاقتصاد والإنتاج من قوانينها التي تكبح جماح أرباحها ،وتكبح من تدخلها المباشر. في الحالين، ليس من دورٍ للدولة في منظور وجوهر االليبرالية سوى ضمان حرية المبادرة الاقتصاديّة الحرة وحمايتها قانوناً، إذِ ان الملكية الخاصة، عندها، من مقدسات المجتمع والدولة التي ما نشأت وتطورت الدولة إلا لإحاطتها بالحماية والحفاظ على مكوناتها ومقدراتها .
 ومن تعبيرات الليبرالية النظرية المنبثقة من عقل من الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الإنكليزي (جون لوك John Locke) ( 29 آب 1632 م حتى 28 تشرين الأول 1704 م) .إلى الفيلسوف الأخلاقي وعالم الاقتصاد الاسكتلندي السياسي ( آدم سميث Adam Smith) وهو من كبار رواد الاقتصاد السياسي ،وصاحب نظرية المشاعر الأخلاقية عام 1759م . وصاحب الكتاب الهام (بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها عام 1779 م) .لا تعدو التنظيرات الليبرالية أن تكون تنظيراً لحركةٍ اقتصادية انطلقت فعلاً بشكل عملي ، منذ القرن السابع عشر، في إنكلترا أولاً ثم في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تبدأ في ألمانيا وإيطاليا لتشمل بعد ذلك، معظم بلدان القارة الأوروبية . وهي نفسها حركةُ الإنتاج الرّأسمالي التي ستشهد على اندفاعاتها وتدفقاتها الكبرى في القرن الثامن عشر. في ظل الثورة الصناعية الكبرى. وقد استقامت وانتظم أمرُها على مقتضى مبدأ المنافسة بين قواها الرأسمالية من شركات تجمعات صناعية وكارتيلات كبرى ومجموعات تروستات ضخمة ومصالح واسعة وضخمة .
إنَّ تلك المنافسة التي وصلت حد الصراع الشرس ،دفعت فتح الأسواق بالقوة العسكرية في الداخل والخارج ،من أجل تحرير الأسعار من القيود ،وإخضاعاً لقوانين العرض والطلب، كذلك تطلب فتح الأسواق بالقوة العسكرية واتباع اسلوب الاحتلال والانتداب لأسواق الدول خارج أوروبا ،من أجل توفير المواد الخام الضرورية للصناعات الغربية .وبحثاً عن اليد العاملة الرخيصة، وفتح (مناطق حرة) خاصة في الدول المحتلة من الدول الكولونيالية ،أو التي نالت استقلالها وبقيت تخضع للتبعيىة الاستعمارية ، فكانت إجابة هذه الحاجات الجديدة ضرورية ، لدى قوى المنافسة الاقتصادية الرأسمالية، إيذاناً بانطلاق الحقبة الكولونيالية في النظام الاقتصادي اللّيبرالي. وهي حقبة استعمارية استمرت طويلاً حتى وصلت إلى حقبة ما بعد الاستعمار وهي الدراسة الأكاديمية للإرث الثقافي للإستعمار والإمبريالية العالمية .وهي تركز على التبعات البشرية لاستغلال السكان الأصليين في الأراضي المستَعمَرة ،والسيطرة عليهم وعلى أراضيهم ،وفرض الهيمنة المطلقة على الشعوب .حيث تعتبر ما بعد الاستعمارية تحليلًا نظرياً نقدياً لتاريخ وثقافة وأدب وواقع القوى الاستعمارية الأوروبية ،كما في حقبة ما بعد الحداثة .
     وهكذا جاء الاستعمار يعيد إنتاج النظام الرأسمالي من جديد ،ويخرجه من أزمته الخانقة التي وضعها فيه ضيق الأسواق القومية الداخلية ، وشح الموارد الطبيعية الغنية ،وتحديداً المواد المعدنية كالحديد والنحاس والفوسفات والبوتاسيوم وغيرها ، فيساهم في مساعدته على المضي في مرحلةٍ جديدة من التطوير والتحديث.
 غير أنّ احتدام المنافسة الشرسة بين قواها وتياراتها ،أطاحها عند لحظة قوتها وعظمتها ،أي عند اللحظة التي تحولت إلى عبءٍ على بعضها البعض، وإلى كابحٍ قوي في وجه تعظيم مصالحه الخاصة . وكانت النتيجة أنه بدأ في تصفية المنافسة من طريق ابتلاع الأقوى فيها للأضعف ،وكانت تجري بأسلوب عنيف وقهري ،الأمر الذي تحولت معه إلى احتكار. بدأت هذه الصيرورة المركزية سيرورتها التاريخية نحو الانتقال من المنافسة الحرة ،التي اتسمت بالمنافسة الشرسة ،إلى الاحتكار في ثمانينات القرن التاسع عشر، وهذا ساعد بقوة على نجاحها نجاحاً باهراً ،ما بدأ من تحولٍ داخل النّظام الرأسمالي نفسِه من اندماج كبير وواضح ، بين الرأسمال الصناعي والرأسمال البنكي، ونشوء رأسمال جديد منهما هو الرأسمال المالي، وتطور البنوك والمصارف واتساعها ،وميْلٍ متزايدٍ إلى تكوين كارتيلات كبرى أو تروستات ضخمة كمجمعات إنتاجية. بهذه الطريقة تمَّ وسيتم تدشين قيام الرأسمالية المالية البنكية وانتقالها انتقالاً حاسماً في الرأسماليّة نفسِها ، وعبورها من طور المنافسة الحرّة إلى طور الاحتكار:وهو الطور الإمبريالي دون منازع .   
 ولما كانت السمات الرئيسية للإمبريالية العالمية أوالرأسمالية الاحتكارية هي تحطيم حدودها القومية ،وحدود العالم من محيطها بهدف التوسع والتمدَّد، اقتضى ذلك منها أن تتخذ شكلاً استعمارياً كولونيالياً متزايداً. لذلك لا غرابة في أنّ أكثر عمليات الاستعمار في العالم انطلقت مندفعة من ثمانينات القرن التاسع عشر وعمت معظم بلدان القارات الثلاث. وبناءً على ذلك ،كان طور الاحتكار هو طور نهب المستعمرات ومقدرات الشعوب وخيراتها بامتياز.ولكنّ التدافع والمنافسة الشرسة بين الإمبرياليات الكبرى على المستعمرات والأسواق العالمية والأملاك الاستعمارية ومناطق النفوذ أدى بشكلٍ عملي إلى صراعاتٍ دموية طاحنةً بينها ،استشرت وتمددت إلى الحد الذي انفجرت فيه ،وباتت حروباً دموية ومدمِّرة ضاريةً. ولم تكن الحربان العالميتان الأولى والثانية إلا الشّكل المُكَبَّر لتلك الحروب الدموية والمدمرة والصراعات الحادة المندلعة من أجل تحقيق المصالح بين تلك الإمبرياليات. 
 افي الحقيقة إنَّ الاحتكار واستحقاقاته لم ينته بجلاء الاستعمار عن المستعمرات في قارات العالم، تحت ضربات حركات التّحرّر الوطني، بل هو استمرّ واتسع نطاقاً أكثر من ذي قبل وتعاظمت قوته. حيث بدا، في الحقبة ما بعد الكولونيالية الإستعمارية ،ونتيجة إجراء التبعية والإلحاق، فقد أصبحوا بعدم الحاجة إلى جيوش جرارة مؤللة تحرس لهم مصالحهم الخاصة في بلدان جنوب الكرة الأرضية . فهو نجح خلال احتلاله لتلك البلدان بالرسملة والبنى التي أشادها وربطها بإداراته وحكوماته ،ويبقى يشدها باتجاهه، بألفِ وسيلة وألف آصرة، إلى المتروبولات والكارتيلات الرأسمالية الضخمة .  
هكذا أتتْ علاقات التبعية التي تضمن لتلك الاحتكارات مصالحها الحيوية. ثم لن تلبث رأسمالية الاحتكار القوية والممتدة، أن شهدت على حالة منها أي جديد وأعلى حالة وصلت إليها هي العولمة، ففي الاقتصاد العولمي أخذ الاحتكار مداه الأبعد وسطوته القوية ، وبات مألوفاً أن تنشأ مجموعات استثمارية وبنكية عالمية .ومجموعات صناعية أضخم تقطع الطريق على أي منافسة من أي جهة أخرى . 
 بدأت الليبراليةُ الاقتصاديّةُ العالمية ،بالدفاع عن حق جماعي في التملك الخاص ،والمنافسة الحرة، لكن الرأسمالية باستطالاتها ،وتناقضاتها، وأساليب احتكاراتها ،انتهت إلى ليبرالية متوحشة ذات طبيعة داروينية . البقاء فيها للأغنى والأقوى فقط .
calendar_month23/10/2021 09:06 pm