
لم يتوقف الدفع الإعلامي وصب الزيت على النار منذ بدء الحرب في أوكرانيا. فقد استعمل الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية آلتهم الإعلامية التي وصفت بالبروباغندا ضد روسيا بطريقة فاقعة وغير مقبولة. وزاد لهيب الصراع الإعلامي تلك التصريحات المنادية باستخدام السلام النووي الذي بدأته فرنسا ومن بعدها ألمانيا. فقد ثأر اقتراب القتال من بعض المواقع النووية الخاصة بالطاقة الكهربائية في أوكرانيا هلعاً ورعباً في العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية مع علمها أن القتال لم يطال أي من تلك المنشآت. خصوصاً لأنَّ القيادة الروسية تعرف بدقة مستوى عملياتها العسكرية ومداها وتأثيراتها وأهدافها البعيدة والقريبة. وتعرف تماماً مدى الأخطار المحتملة جراء إصابة أي محطة نووية وتسرب الإشعاعات القاتلة إلى أجزاء واسعة من أوروبا والعالم، في وقتٍ لا يزال هاجس استعمال السلاح النووي يقض مضاجع الجميع بعد إعلان موسكو عن وضع سلاح الردع النووي لديها في حالة التأهب التام.
من البديهي جداً أن تتسيد هذه الهواجس وتلك المخاوف كل ما عداها من الأخطار في ظل هذه الأجواء المشحونة جداً وحالة التجييش والتحشيد والاستقطاب التي تواكب الحرب الأوكرانية منذ بدايتها، وفي ظل إمكانية حدوث أي خطأ بشري غير متوقّع بغض النظر عن المسؤول أو الجهة التي يمكن أن تقف وراءه. لكن السؤال الهام الذي يطرح نفسه هو، هل خيار استخدام السلاح النووي مطروح فعلاً في الحرب الأوكرانية أم لا ؟
في أوج البربوغندا الإعلامية العالمية .والتحشيد الهائل والعقوبات الشرسة على جمهورية روسيا الاتحادية التي اعتبرت بمثابة حرب موازية، يستند الكثيرون إلى تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الأول لبدء العملية العسكرية، عندما تحدث بقوة وصرامة متوجهاً للغرب الأوروبي والأمريكي : (من يفكّر في التدخّل لعرقلة تقدمنا يجب أن يعرف أن الردّ سيكون قوياً وفورياً، وأنه سيؤدي إلى عواقب خطيرة لم تعرفوها في تاريخكم)، قبل أن ينتقل مباشرةً إلى الإعلان الصريح والواضح عن حالة التأهب في سلاح الردع النووي الاستراتيجي الذي تمتلكه روسيا والتقنيات الهائلة ووسائط نقله من نقطة الإنطلاق إلى الهدف المحدّد دون أي خطأ.
ومع ذلك فقد تمت الإشارة إلى أنَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال خلال اجتماعه مع الرئيس فلاديمير بوتين قبل اندلاع الحرب: (إذا كان لديكم سلاح نووي فنحن أيضاً لدينا الزر النووي). وفي ردِّه على أسئلة الصحفيين والمراقبين الاستراتيجيين قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: (لسنا مجانين في موسكو..وهم (الغرب) من بدأ الحديث عن السلاح النووي، وهي أفكار موجودة في رؤوسهم بشكلٍ مسبق)، مشيراً بذلك إلى ما قاله الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، والتصريحات المتتالية التي صدرت عن القيادة الأوكرانية حول اهتمامها بامتلاك السلاح النووي واستخدامه عند الضرورة.
الواضح والجلي أمام العالم أجمع أنَّ جميع دول العالم في الشرق كما في الغرب، يتفقون على أنَّ الخيار النووي ليس مطروحاً أو قابلاً للاستخدام لا في أوكرانيا ولا في غيرها، ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاملت مع هذه المسألة بهدوء، أكد البنتاغون أنه لا يوجد أي تغيير في حالة السلاح النووي الروسي على الرغم من إعلان حالة التأهب التي أمر بها الرئيس فلاديمير بوتين، بينما دافعت جمهورية روسيا الاتحادية عن الاتهامات الموجهة إليها باستهداف المواقع النووية الأوكرانية، بأنها اتهامات مضللة وكاذبة، وأنَّ من تسميهم القوميين المتطرفين في أوكرانيا هم من حاولوا استهداف محطة (زابوريجيا) النووية المخصصة لانتاج الطاقة الكهربائية ، مشددة على أن القيادة الروسية تعرف أكثر من غيرها ويلات وتبعات الإشعاعات النووية الخطيرة جراء انفجار محطة تشيرنوبل في ثمانينات القرن الماضي. كما أنَّ القيادة السياسية والعسكرية الروسية تدرك تمام الإدراك أن استهداف أي مكان في أوروبا بالسلاح النووي سيلحق الضرر بروسيا نفسها أيضاً وهي خطوة محسوبة بدقة.
الجميع في العالم يدرك أنَّ السلاح النووي غير قابل للاستخدام الفعلي، لأنَّ الكارثة النووية إن حصلت فإنها ستطال الجميع وربما يلحق الدمار بالبشرية جمعاء خاصة وأنَّ هناك أنواع من القنابل النووية متطورة جداً وخطيرة جداً وقدرتها التدميرية هائلة، إلا أنَّ ذلك لا يلغي إمكانية استخدامه كسلاح للردع إذا دعت الحاجة إليه، بمعنى الاتكاء عليه لردع الخصوم من دون استخدامه بأي شكلٍ من الأشكال، كما في الحالة الأوكرانية، لمنعهم من إدخال المساعدات الأمنية والعسكرية واللوجستية، مع أن إمكانية استخدام سلاح نووي تكتيكي محدود وممكن عن طريق استخدام قنابل نووية حرارية محدودة القوة تبقى واردة ومفتوحة على إمكانية رد من الغرب الذي يصب الزيت على النار بالمقابل، وهنا مكمن الخطورة إذا حدث ذلك.