
لم تكن التكتلات التجارية الضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي فقط، بل هناك العديد من التكتلات التجارية والاقتصادية في آسيا.لكن هذه التكتلات قليلة قياساً بحجم وضخامة تلك البلدان وضخامة انتاجها الاقتصادي وقدراتها التجارية، فعلى الرغم من أنَّ القارة الآسيوية تعتبر منذ قرون مركز الثقل الديموغرافي على مستوى كرتنا الأرضية، مثلما أصبحت اليوم أيضاً هي المحرك القوي الدافع للاقتصاد العالمي في سياقه العام والشامل. لقد قدَّمت مراكز الأبحاث والدراسات الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول أوروبا دراسات وتقارير معمقة أجمعت بمجملها على أنّ الكثير من تاريخ القرن الواحد والعشرين سوف يكتب في آسيا. وأن المنطقة سوف تشهد أكبر نمو اقتصادي تحولي على وجه كرتنا الأرضية، وأضحت في قلب توازنات العالم الاستراتيجية والأمنية والعسكرية. وعوامل الفرادة والقوة الآسيوية الخاصة. لكن الخارطة التجارية العالمية بدأت فعلاً في التحوّل والتغير، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من اتفاقية المشاركة عبر المحيط الهادئ. وكان هذا موقفاً غير مسبوق يدعو للتساؤل، فتلك الاتفاقية كانت تعتبر حجر الزاوية في المحور الآسيوي الذي تطمح إليه الولايات المتحدة الأمريكية. في إطار السعي إلى تحقيق استمرارية واستدامة وتقوية القيادة الأمريكية في منطقة آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، وتحويل مركز الثقل العسكري والأمني الأمريكي من منطقة الأطلسي إلى حوض المحيط الهادئ، وذلك أساساً لمواجهة القوة الصينية الصاعدة بقوة، وكانت الفرضية الرئيسية والهامة التي تستند إليها تلك الاستراتيجية، تتمثل في أنَّ قوة الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تسير باتجاه مصالحها الاقتصادية الحيوية في منطقة لديها طبقة وسطى متنامية يتوق أفرادها إلى الحصول على سيارات من طراز (فورد) وهواتف (آيفون). مع العلم أن مفاوضات تلك الاتفاقية تطلبت خمس سنوات قبل التوقيع عليها في تشرين الأوّل من عام 2015 وكانت تضم الولايات المتحدة الأمريكية وإمبراطورية اليابان التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد عالمي، إلى جانب العديد من البلدان الأخرى المطلة على المحيط الهادئ، ومعاً تشكل البلدان الأعضاء سوقاً ضخمة يبلغ حجمها ثمنمائة مليون نسمة وقرابة 40% من الاقتصاد العالمي. وهي اتفاقية تجارية شاملة متكاملة رفيعة المستوى تدخل تخصصات جديدة ومتطورة إلى النظام التجاري العالمي يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها النظام التجاري الدولي. والسعي الحثيث لتوليد النمو الاقتصادي وتأمين وظائف عمل جديدة والتخفيف من حالة البطالة .وذلك من خلال موجة من الاستثمارات وتطوير الأعمال في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ. والسعي القوي والمستمر إلى تحقيق نمو قوي ومستدام وغير مرهون بمدة زمنية معينة. ومن ثم فقد قادت اليابان تلك الجهود ونجحت بشكلٍ كبير في إنجاز الاتفاقية الشاملة والمتكاملة والتقدمية للشراكة العابرة للمحيط الهادئ لتحرير منظمة التجارة العالمية، من خلال اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ أوCPTPP)).
الجدير بالذكر أنَّ هناك العديد من الدول مثل نيوزيلاندا والمكسيك وتشيلي وبروناي وفيتنام وبيرو وماليزيا ومجموع إجمالي الناتج المحلي للدول ال11 المشاركة في اتفاقية (CPTPP)Comprehensive and Progressive Agreement for Trans-Pacific Partnership)) اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ يصل تقريباً لإجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي، وقدَّمت بعض الدول طلبات للانضمام إلى تلك الاتفاقية أبرزها بريطانيا وجمهورية الصين االشعبية، التي فيما يبدو تحاول زيادة نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ونظراً لأنَّ هناك نزعات تجارية بين الصين وبعض دول اتفاقية CPTPPاتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ مثل أستراليا، يصعب التكهن بما إذا كانت الصين ستحصل على موافقة كافة الدول الأعضاء في الاتفاقية وهي خطوة ضرورية وهامة للانضمام.
الجدير بالذكر أنَّ جمهورية الصين الشعبية كانت قد عقدت اتفاقية تجارية ضخمة بين آسيا والمحيط الهادئ، والمعروفة باسم الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP) ،وتضم الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى جانب أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والصين ونيوزيلندا. ويبلغ عدد السكان في الدول الخمسة عشر الأعضاء في اتفاقية المشاركة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مليارين ومئتان وستون مليون نسمة، أي نحو 29,9% من إجمالي عدد سكان العالم، ويبلغ حجم التبادلات التجارية والاقتصادية بين الدول الأعضاء من أربعة إلى خمس تريليون دولار، أي 28,7 % من إجمالي التبادلات التجارية العالمية،أما الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول فيبلغ ست وعشرون ترليون وثلاثمائة مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثين بالمائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وبهذا تعد هذه الاتفاقية أكبر اتفاقية للتجارة الحرة على مستوى العالم. وتعد هذه بالنسبة للإمبراطورية اليابان الاقتصادية والتجارية أول اتفاقية شراكة اقتصادية تضم جمهورية الصين الشعبية وهي أكبر شريك تجاري لها منذ ذلك الحين.