
تتسم أمتنا العربية بأنها أمةٌ عاطفيةٌ يحركها الشعور والوجدان، وهذا ما يؤخذ عليها. هكذا عبّر عنها الشعر الغربي بخاصة والأدب بعامة، والسِّيَر العربية عبر مسيرة تاريخية طويلة،بل وحتى أيام العرب المشهودة كان البعض منها نتاج الحالات الانفعالية التي تنتاب الفرد أو القبيلة أو العشيرة، فخاض لأجلها أعتى الحروب التي دامت عقوداً أربع. هذا ما تخبرنا به حرب البسوس،التي استمرت أربعين عاماً من سنة ٤٩٤ م .وحرب داحس والغبراء عام ٥٦٨ م ، وهي حرب من حروب الجاهلية بين فرعين من قبيلة غطفان، هما: عبس وذبيان، وتعدّ هي وحرب البسوس وحرب الفجار وحرب بعاث من أطول الحروب التي عاشها وخاضها العرب في الجاهلية.عام ٥٦٨ م ، ونستثني منها معركة ذي قار يوم هزمت به العرب العجم عام نحو 609 م على وجه التقريب. ومن المؤسف حقاً أنَّ بعض النصوص الفلسفية والعقلانية واجهت حروباً شعواء من قِبَل مغرضين وأعداء، كما واجهت حملة تشويه وتكفير مثل التي واجهتها أفكار وكتب ابن سينا وابن رشد. فيبدو أن ثمة صراعاً خفياً حادّاً عانته الحضارة العربية بين العقل والوجدان والشعور أعاق استمرار الحضارة العربية الإسلامية في التطور والتربع على قمتها لأكثر من ثلاثة قرون ونيف في مختلف مراحلها.
وحالة التدمير الممنهج التي تعرَّض لها وطننا العربي مرَّت على بساطٍ من الجدل الوجداني المتمثل في الآمال والطموح وتحقيق الحق والعدل والخير للشعوب العربية ، والخيبات والانتكاسات الطويلة والآلام المريرة التي عانتها منطقتنا العربية جراء حكم الأنظمة غير الرشيدة التي زادت البون الشاسع بين واقع الوطن العربي المرير وواقع الدول الأخرى في العالم التي قطعت شوطاً لافتاً ومقبولاً في التنمية والتطور. وفي لحظةٍ فارقةٍ من الاندفاع العاطفي والوجداني للشعوب العربية لم تتنبه إلى بعض المعطيات العقلية والإشارات المنطقية التي كان بالإمكان أن تحول دون وقوع هذا الكم الهائل من الخراب المرعب والدمار والحرائق .لقد شهدت أمتنا العربية العديد من القضايا المفصلية عبر تاريخها الطويل وصلت إلى قمة العطاء والازدهار فكانت منارةً للعلم والثقافة والمعرفة والفلسفة والأدب، وفي بعض الحالات وصلت إلى حالةٍ من عدم التوازن العقلاني والوجداني في الإدراك العربي . فحين يبدأ الجدال والحوار الساخن عن سلبيات المآل الذي آلت إليه بعض الدول العربية، وحين تتم الإشارة بوضوح إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتراجع التنمية ،وعودة بعض المشكلات القديمة التي تمَّ حلها أو القضاء عليها جزئياً في وطننا العربي مثل الأمية والجهل، والفقر وعمل الأطفال ،وعودة بعض الأمراض الفتاكة التي تصيب الكبير والصغير، لا يتوانى البعض من خلال اقتناعه بفكرة المؤامرة عن اتهام الطرف الآخر بالعمالة للأنظمة أو نعته بالخور والضعف والجبن ،وعدم النزوع لرغبات الحرية والعدالة ،وإحقاق الحق، والشجاعة والمواجهة. ويزداد الحوار وهْنَاً وسَقَماً حين تتدخل الأيديولوجيا الإسلامية بشكلٍ مباشر بكل حمولاتها الثقيلة وإرثها الثر ،أو المقارنات غير المتساوية بين الدول . وحين يتحدث أحدهم بفوقية واستعلاء وعنجهية متجاوزاً آلام الشعوب المحطمة وانكساراتها ومآسيها. عندها نجد أنَّ عدم الانسجام بين المعطيات الوجدانية والمعطيات العقلانية في السلوك العربي من حالة الانحراف والارتكاس الحضاري الذي سقطت فيه أمتنا العربية بسبب دعاوى التغيير والتطوير والتحديث التي جعلت من حال الدول الأوروبية هدفاً ترنو إليه عمليات التغيير التي طالبت بها الجماهير العربية على امتداد وطننا العربي. فبدل أن نتوجه نحو المستقبل المتمثل في التنمية والتحضر وقيم العدالة والمساواة والحرية. فإن ثلاثة أرباع وطننا العربي تقريبا قد سقط في تنامي معظم مؤشرات الفقر والحرمان ، وتراجع وضع المرأة، وتدهور أوضاع الأطفال، وانتشار الإرهاب بكل تلاوينه.ثمة خلل ما وقع لم يجعل الأهداف العربية هي النتيجة الحتمية للإجراءات التي انخرطت فيها جماهير الشعب. وثمة خلل حقيقي في مسارات الحوارات والنقاشات العربية. وثمة خلط كبير غير مبرر على الإطلاق للقضايا العربية نتج عنه أن مستقبلنا العربي يتوجه نحو الماضي بل الماضي السحيق بدل الصعود إلى الأمام واستشراف المستقبل.