من المعروف أنَّ الدولة عبارة عن تجمّع سياسي يؤسس كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق جغرافي إقليمي محدَّد. ويمارس الحكم والسلطة عبر منظومة من المؤسسات والهيئات والإدارات الدائمة، وبالتالي فإنَّ العناصر الرئيسية لأيِّ دولةٍ هي الحكومة والشعب والإقليم الجغرافي ،يضاف إليها السيادة والاعتراف الرسمي بهذه الدولة من قبل دول أخرى في العالم بما يكسبها الشخصية السيادية والشخصية القانونية الدولية والتي يمكنها من القيام بممارسة اختصاصات السيادة للدولة لا سيما السيادة الخارجية وتعرف الدولة بخمس خصائص أساسية تميزها عن المؤسسات الأخرى وهي : 1ـ ممارسة السيادة 2 ـ الطابع العام لمؤسسات الدولة. 3 ـ التعبير عن الشرعية . 4 ـ الدولة أداة للهيمنة، وأخيراً 5 ـ الطابع الإقليمي.  
في حقيقة الأمر لا يقصد بإدارة الدولة رئاستها أوحكومتها فقط إنما تعني كل وزاراتها ومؤسساتها وإداراتها وهيئاتها من أكبر مؤسسة في الدولة إلى مستوى الوحدة المحلية الصغيرة.هذه الهيئات والمؤسسات والإدارات هي من تنفذ القرارات الرئاسية والحكومية. لذلك مهما بلغت ثورية وقوة القرارات التي تتخذها فكل ذلك يتوقف تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع على هذه الهياكل الأخرى. إنها كالخزان الضخم لا تستفيد منه إذا لم تكن معه شبكة جيدة وتملك الخبرة الواسعة غير مسدودة أو مكتومة وهذه الشبكة متصلة بهذا الخزان الضخم وليست منفصلة عنه.
والمؤسسات والهيئات والإدارات التي قد لا تنفذ القرارات القومية أو الوطنية ،أو تنفذها بكفاءة هزيلة إما لترهل وضعف هذه المؤسسات والهيئات والإدارات أو غياب الكفاءات العالية أو التدريب الجيد والنوعي، أو غياب الحافز وهو أمر هام .وكذلك غياب الردع والحساب ومعاقبة المقصِّرين، أو ضعفها ووهنها وهو للأسف واقعٌ موجود في كل هذه المؤسسات والهيئات والإدارات. والفرق بين مؤسسة وأخرى هو الفرق في واقعها ومتطلباتها واحتياجاتها ومهامها. يستثني من ذلك المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية على تنوع مهامها وأجهزتها. تليها مؤسسة الشرطة فالمؤسسة العسكرية دائماً في يقظة وانتباه، وإداراتها وهيئاتها وإداراتها في تحفّز دائم . فالضعف والوهن والترهل غير موجود لدورية التغييرات البنيوية من أصغر رتبة لأعلى رتبة. والذكاء والكفاءة فيها من أهم مقوماتها التدريب الجيد الجاد ،وأما عن ذلك فحدِّث ولا حرج فالضابط كل ضابط ومنذ تخرجه من الكلية العسكرية حتى بلوغه نقطة المعاش في تدريب دائم متخصص من دورة تلو الأخرى. ومتدرجة يتلقي خلالها عشرات بل مئات من البرامج بالداخل والخارج التي تتوافق تماماً مع خدمتهِ أولاً بأوَّل . وأما الحسم والردع فدائماً قريبان من كل فرد علي كل المستويات.
إذا بحثنا في شأنٍ آخر وبخاصة في مجال بنية الدولة وماهيتها وقوتها وضعف مفاصلها. نستثني الحديث هنا مؤسسات الشرطة والجيش فمعظم المؤسسات في الدولة تفتقر لكفاءة عناصرها فالكثير منهم لم يتلقَّ تدريبا على العمل الإداري والمؤسساتي في حياته الوظيفية حتى يخرج كما دخل. أما عن التغيير والتطوير والتحديث فلسكون والجمود هو السائد يمارس الموظف عمله في نفس مكانه فلا تغيير ولا تبديل. وهنا لنا رأي في حالة التكلّس والجمود وإرادة التغيير التي تعتبر أساس مهم لكل عمل ولكل جهةٍ صغيرة كانت أم كبيرة. وعلى الرغم من أنها تكون موجودة لدي الجهات العليا المسؤولة وقد تكون موجودة لدى بعض هذه المؤسسات والهيئات والإدارات ولكن وجود الإرادة في حد ذاتها غير كاف ما لم تكن الكفاءة والقدرة الإدارية والتدريب والحسم مرتبطاً بهذه الإرادة.
في حقيقة الأمر لا يمكن التكهن بنجاح أو فشل الدولة حتى لو توفرت لديها إرادة التغيير والتجديد ما لم تقم بالعمل على إصلاح مؤسساتها وهيئاتها وإداراتها وفرز أشخاصها وتطهير مجالها وبيئتها فلا تغيير أو تجديد في ظل استشراء الفساد أو غياب العدالة الاجتماعية بين أفرادها، لذلك فإرادة التغيير والتحديث والتطوير للدولة لا بدَّ أن تبدأ بمؤسساتها وإداراتها حتى تكون هياكلها دائماً متحفزة متنبهة غير ساكنة أو مترهلة، تتمتع بمرونة كبيرة تحقق سرعة الأداء الجيد وسرعة الاستجابة المناسبة، على أن يتم انتقاء الموظفين الأكثر تدريباً وتأهيلاً لشغل مفاصل العمل الأساسية وألا تكون برامج تدريبها روتينية وقديمة وبلا جدوى بل تكون عصرية حديثة ينتقل من مستوى إلى مستوي أفضل تتوافق مع أعمالها ومهامها وتطلعاتها .
وبمحاذاة الردع والحسم والعدالة الاجتماعية وسرعة الأداء داخل المؤسسات والإدارات والهيئات فإن للقدوة دوراً أهم في حيوية أي عمل وأي جهة فعندما يكون رئيس الإدارة قدوة لكل من في المؤسسه ويعمل بجدٍ ونشاط على أن ينمي هذه الصفة في الرؤساء على المستوي الأصغر ليكونوا قدوة لمن هم أصغرمنهم فأصغر لكي تكون إرادة التغيير والتحديث والتطوير ذات أثر في ما هو مطلوب من كل مؤسسة أو إدارة أو هيئة.ومن أجل تماسك بنية الدولة وهيكلها وقوتها عليها أن تحافظ دائماً بأن تكون على صلة بالوحدات الأصغر مهما كانت صغيرة، وألّا ينقطع الاتصال أو يقتصر على المكاتبات والمراسلات لتكون مرجعياتها جميعاً موحدة لتبقى كل المؤسسات في مدى الرؤية لإدارة الدولة ومؤسساتها من الداخل بما يضمن استمرار إرادة التغيير لكيلا تكون مجرد دعوة تثور فترةً قصيرة ثم تفتر كما هو الحال حالياً في معظم الأحوال والظروف.
كما أنه على الدولة أن تضع الأسس والمعايير الموحدة في أساسياتها لتقييم المؤسسات والإدارات والهيئات وأفرادها فالوضع الحالي إما أنه لا تقييم على الإطلاق أو يقتصر على تقارير الكفاءة والجدارة لموظفيها وكلنا يعلم كيف تكتب هذه التقارير وتلك النشرات الداخلية بحيث يحصل تسعون بالمائة على الأقل من أشخاصها على تقدير امتياز في الوقت التي تخسر المؤسسة وتوشك على الإنهيار أو تستدين بما لا يتفق وهذا التقييم المراوغ .
ومن الضروري أن تكون أواصر العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين تمثلها الثقة المتبادلة بين الرؤساء والمرؤوسين أحدى ضمانات إرادة التغيير والتحديث والتغيير فلا يمكن أن يحدث التغيير ويشعر أفراد المؤسسة أنَّ رئيسها أو مديرها ليس أعلى كفاءة ويعلمون من وراء تقلده منصبه وموقعه الذي يستحقه. والثقة المتبادلة بين المؤسسة وإداراتها وهيئاتها وإرادة الدولة أو العكس أكبر ضمان أيضاً لكفاءة الإدارة وقدرتها على تأدية دورها، وجودة أدائها وأنَّ صوت المؤسسة وإداراتها وهيئاتها مسموع موثوق به لدى الإدارة العليا للدولة ـ أي القيادة العليا ـ فتسهل الاستجابة لمطالبها واحتياجاتها ،كما أنَّ ثقة المؤسسة في قيادتها العليا من الصف الأوَّل يجعلها تقبل أعذارها في عدم تلبية كل مطالبها واستحقاقاتها .
إن إرادة التغيير البنيوي سواء على مستوى الدولة أو مؤسساتها وإداراتها وهيئاتها لا بد أن يكون مرتبطاً بأولوياتٍ واضحةٍ تتعلَّق بالبنية الأساسية المركزية لتحقيق التغيير وإزالة معوقات تحقيقه وتجسيده على أرض الواقع، وأن تكون مظلة الأولويات لهذه المؤسسات والإدارات والهيئات تسمح بتحقق إرادة التغيير للدولة في شكلها الفكري والثقافي والعملي وأن تكون هذه الأولويات ومؤسساتها معلومة ومتاحة وغير منقوصة.
calendar_month23/04/2022 02:43 pm