تقاطعت العديد من الطرق، وتوقف مرور عربات الأفكار والمفاهيم، وانهدم عالم بكل مكوناته، وولِد جنين خداج في عالمٍ جديد، وأصبح المستقبل علامات استفهام ومحاولة استقراء ... إلى أين نسير؟... وما هي وجهتنا التي ترشدنا إليها بوصلة الغد ؟ وماذا يحمل لنا الغد القادم البعيد من مفاجآت لم تكن محسوبة.حتى البوصلة التي كنا نهتدى بها ونسترشد بمؤشرها تحطمت..والنظريات والأفكار والمفاهيم انتهت بانتهاء عالمها القديم.لكن جميعنا يعتقد أنَّ لفظة (لحظة) تعود إلى زمنٍ بسيط جداً يصل إلى أجزاء من الدقيقة .أي (الثانية) زمنياً وهي التي تعتبر أقل قيمة زمنية لقياس الوقت. ولحظة التأمل والتبصّر هنا هي أعلى درجات التركيز وإمعان النظر للتحقّق والاستبيان ومن ثم الاسْتِيقان . 
فعندما ننظر بعين العقل والمعرفة إلى المشهد بشكلٍ فلسفي. ننظر إلى المشهد المحيط بنا سواء أكان المشهد المنظور أمامنا متعلِّق بلحظة تأمل لما يخصنا ،وبالماضي بكل مكوناته الذي تركناه خلفنا أو أن نتأمل بعمق فيما سيتم لاحقاً ،والتدبر بعقلانية وقوة وشكيمة فيه وحتى على المستوى الخاص المتعلق إقليمياً أو عالمياً بوطنا الغالي فلسطين ،نرى أنها قد عادت وبقوة لتحتل موقع الصدارة في المحافل والدوائر الدولية والإقليمية. 

لقد استمر شعبنا الفلسطيني منذ صيرورته الكنعانية الأولى، وعبر سيرورته النضالية الطويلة ليؤكّد للعالم أجمع أنه الوطن الذي يسحرك اسمه بمجرّد أن يذكر اسمها أمامك، فيكفي أن تعيش لحظة التأمّل، وتعيش لحظة الزن وتغلق عينيك، وتسرح طويلًا فى خيالك الواسع، لتتخيل نفسك تتجول فى شوارع وأزقة حيفا ويافا وعكا وصفد وطولكرم ونابلس والقدس ، تشمّ رائحة العراقة والأصالة العربية، والجذر والعمق الحضاري الممتد عبر آلاف السنين، ففلسطين بكامل ترابها الوطني الممتد من (النهر إلى البحر) هي البحر الأبيض المتوسط غربا، (خط رفح العقبة) الذي يفصلها عن سيناء من الجنوب الغربي، رأس خليج العقبة جنوباً، وادي عربه، البحر الميت ونهر الأردن شرقًا، ومنحدر هضبة الجولان قرب شواطئ بحيرة طبريا الشرقية ،ومسار نهر الأردن الشمالي في الشمال الشرقي.

 من هنا نؤكِّد أنَّ فلسطين التاريخية لم تكن يوماً وليدة حاضرٍ قريبٍ فقط، بل هى دولة التاريخ والحضارة ومهبط الديانات السماوية، ولا يمكن أن تتخلى عن هذه المكانة مهما توغَّل الاحتلال في مدنها وقراها وبلداتها وأزقتها، فهي التى ذَكَرها الله سبحانه وتعالى فى مُحكم التنزيل بقوله : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الإسراء (1) .وهذا إن دلّ على شىءٍ فإنما يدلّ على عمق وجود القدس وما حولها أي فلسطين التاريخية عبر التاريخ الطويل، فلطالما كانت هى الحاضنة للأديان والثقافة العربية. وما زالت هى الحضن الذى يتربي المناضلين والثوار والمرابطين إلى يوم الدين. وفيها مدرسة الإنسانية والحب والسلام .وهي مركز العروبة فى مشارق الأرض ومغاربها. لنعطي لنفسنا لحظة تأمل نجد أننا بأكثر من عشرات الجولات التاريخية نجد أن فلسطين قد استمرت بالحفاظ على مكانتها الوطنية والإقليمية والدولية التى تستحقها، وعادت إلى ترتيب الأوراق الدبلوماسية لتتبوأ دوراً محورياً وحقيقياً وفعلياً بين الدول .
وهنا نعطي لأنفسنا لحظة تأمّل وتبصّر من جديد. ماذا نرى ؟ بكل تأكيد نرى الفعل الفلسطيني والحق الفلسطيني كيف ينتصر بإرادته في وجه كل أشكال القمع والبطش والإعتقال. وهذا تعبير على وجود خط مستقبلي سيغيِّر الكثير من الحدود والعقول والمحدِّدات، كما سنرى فلسطين الحاضرة أبداً في الشعور والوجدان العربي والعالمي الحر .كما سنرى هذه الشجاعة المنظورة والغير منظورة في مواجهة الرصاص والمدفع والصاروخ بصدورٍ عارية .كما سنرى مدارس الكرامة والشرفِ والشهامةِ والرجولةِ .ومهما تكالبت عليها الأمم ستبقى فلسطين منارةً لوطننا العربي ولكل أحرار العالم وتدافع عنه.وستبقى فلسطين شامخةً ولا تعرف إلا معنى الانتصار والصمود،وتحتاج فعلاً إلى لحظة تأمّل وإمعان النظر واستيقان فقط لأنها فلسطين.
calendar_month30/04/2022 08:24 pm