ما زالت المعطيات حول آخر المستجدات السياسية والعسكرية والأمنية في العالم تشي باقتراب حروبٍ داميةٍ مدمرة تكون وبالاً على الوجود البشري، نتيجة سلسلة من الكوارث والمآسي التي ستقضي قضاءً مبرماً على ما حققته البشرية من إنجازات إنسانية وحضارية خلال عشرات السنين الماضية وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية. إنَّ ما يجري في العالم سيؤدي حتماً إلى تدمير كل أشكال الحياة على الأرض. بسبب الهيمنة وطغيان روح الأنانية والسيطرة وفقدان الروح الإنسانية التي تفترض المشاركة والتعاون الجماعي في مواجهة كل العقبات والتحديات. فعندما نفتح سجلات الحروب والكوارث من المؤكد أننا سنجد أرقاماً صادمة ومهولة، عن عدد ضحايا الحروب والإرهاب والعنف ،والجوائح والبيئة خلال السنوات الأخيرة، وما أدَّت إليه من فظائع وعمليات تدمير الحجر والبشر ،وتشريد ونزوح ولجوء ملايين البشر على طول المساحة الجغرافية العالمية، ومع ذلك فإنّ العالم سادر وتائه في انحداره نحو نهايته ،وهو يعلم علم اليقين أنه سيصل إلى حتفه لا محالة، وكأنه يسير بشكلٍ متسارع على قدميه نحو الانتحار الجماعي، مع تصاعد التهديدات يوماً بعد يوم باللجوء إلى الأسلحة النووية الفتّاكة التي تعني في حال استخدامها نهاية العالم ككل.
 هذا الضجيج الدولي يفضي بنا إلى حالةٍ من فقدان التوازن وعدم القدرة على معرفة الحقيقة. فهل دخل العالم فعلاً مرحلة الجنون التي تقوده إلى الفناء الكلي؟ . من الواضح ومن خلال متابعتنا لمجريات الأحداث الميدانية والسياسية المتتالية . نجد أنَّ الدول الكبرى فقدت فعلياً القدرة على ضبط نوازعها العسكرية ، واستمرأت إصرارها على تغليب منطق القوة ومنطق الهيمنة والسيطرة ،على ما عداها من قيم إنسانية ونواميس أخلاقية يمكن أن تلجم هذا الانحدار وتضع حداً لوصوله إلى حافة الفناء، وتحقق للبشرية أملاً بالحياة في عالم آمن ومستقر؟
 لقد أدت الحروب المدمرة في العديد من البلدان إلى حالةٍ من عدم الأمان والاستقرار. فالتهبت العديد من البلدان الإقليمية والأهلية في دول أوروبا الشرقية وآخرها الحرب الأوكرانية ـ الروسية، إضافة إلى جائحة كوفيد 19 (كورونا)، وأزمة التغير المناخي والاحتباس الحراي ومخاطره على البشرية جمعاء، إلى وضع العالم أمام مصيرٍ مجهول حيث تتكدس الأزمات والمشاكل المستعصية، وتهدِّد بمجاعاتٍ غير مسبوقة ، وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين والمشردين في معظم أصقاع العالم، واتساع مساحة الدمار والخراب والحرائق الذي سيلحق بالعالم، وفقدان المواد الغذائية الرئيسية والارتفاع الجنوني في الأسعار التي ترخي بظلالها السلبية على العالم ،وزيادة الفائدة والفائدة المركبة، وتطور حالة التضخم النقدي. وزيادة الاحتكارات والجشع والطمع ،وتعاظم أعداد ضحايا الأوبئة والأمراض السارية والمعدية، وتعطل سلاسل التوريد، مع الخلل البيئي الناجم عن العبث بالأرض ومكوناتها، وما يرافقه من جفاف وكوارث طبيعية ، وأعاصير وفيضانات وحرائق تؤدي في نهاية المطاف إلى حكم بالإعدام على الأرض ومن عليها .
 جميع الأرقام والمعطيات تفيد أنَّ عام 2021 م هو من الأعوام الصعبة في التاريخ الحديث ، فقد سجّلت رقماً قياسياً غير مسبوق في أعداد النازحين واللاجئين بلغ نحو 84 مليون نسمة، من بينهم 59.1 مليون نسمة نزحوا داخل بلادهم في مدن وقرى أخرى ، ويفترض أن تؤدي الحرب الأوكرانية ـ الروسية حسب التوقعات إلى نزوح عدة ملايين غيرهم إلى الداخل الأوكراني أو إلى دول الجوار التي استقبلت مئات الآلاف منهم .
 ووفقاً لمنظمة الهجرة الدولية أي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، فإن الحروب والصراعات الداخلية، وأحداث الإرهاب والعنف، هي من الأسباب الرئيسية التي أدَّت وتؤدي إلى الهجرة والنزوح ، وخصوصاً في الدول الإفريقية، وسورية ، وأفغانستان، فضلاً عن الجفاف الذي ضرب مناطق واسعة من العالم نتيجة شح الأمطار والاحتباس الحراري، وأدى إلى فقدان مساحات زراعية شاسعة من الأراضي، كانت تشكل مصدر رزق لملايين البشر الذين اضطروا إلى تركها نتيجة الحروب والإرهاب المنظم. وتؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الأحوال الجوية القاسية، والمتغيرات المفاجئة في المناخ أجبرت حوالى 21.5 مليون شخص على الانتقال من أماكن وجودهم وأراضيهم الزراعية ومصدر رزقهم.
 وكالات الإغاثة الدولية بكل هيئاتها وإداراتها تؤكد أن نحو 27 مليون شخص، يعانون من الجوع والفقر والحرمان في منطقة غرب إفريقيا، وقد يرتفع العدد إلى 38 مليون شخص خلال شهر حزيران المقبل، بسبب الجفاف وشدة الحرارة وتغير المناخ والصراعات الدامية الناجمة عن الإرهاب، واستمرار الحرب الأوكرانية ـ الروسية، إذ إن دول غرب إفريقيا تعتمد بشكلٍ أساسي على الحبوب القادمة من أوكرانيا وروسيا.
 كل ما قدمناه من مخاوف ومعطيات يمكن أن تؤدي إلى فناء البشرية وجميع الأحياء على كوكبنا، لا تعني شيئاً بالنسبة للدول العشرين الكبار القابضين بيدٍ من حديدٍ ونار على رقاب العالم.
calendar_month24/05/2022 10:29 pm