ما زال العالم يعج بأزماته اللامحدودة ويلقي بثقله على جميع دول العالم. فالحراك الدولي لن يصيب منطقة بعينها بعد تفجّر الأوضاع العالمية المتوقعة. لأنَّ ما يشهده العالم من أزمات حادّة ومتفاقمة سيكون له تإثير كبير وواضح خلال العقود القادمة على الاستقرار العالمي ومستقبل الأجيال ،وما تحتاجه من تنمية وازدهار، في الوقت نفسه ما يزال وطننا العربي متأرجحاً في تكتلاته ومواقفه منذ عدة عقود بين أزمات وجائحات متعدِّدة.
ففي سياق التدافع العالمي المحموم من أجل تغيير بنية النظام الدولي وإعادة ترسيم حدود السيطرة والهيمنة والنفوذ العالمي، نبدو نحن العرب غائبين عن المشهد السياسي والاقتصادي الدولي وتفاعلاته ،والذي يشهد غلياناً وناراً تحت الرماد. ونحن العرب على الرغم من كل الأوراق التي نمتلكها لنكون عنصراً فاعلاً وهاماً في ترتيبات المشهد الدولي المستقبلي لم يكن لنا أي موقف حقيقي واضح.وللأسف الشديد جداً أنَّ هناك محاولة للتعمية على ما يحصل في أهم الدوائر السياسية والعسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في العالم. ما يدفعنا لأن نتساءل عن سر هذا الغياب الذي لا مبرر له على الإطلاق ،بخاصة وأنَّ العالم ينحو باتجاه التكتلات التي تتحرَّك ضمن أطر إقليمية شديدة الوضوح والحضور. ونحن العرب ما زلنا نراقب كل ما يحدث من عمليات دراماتيكية متسارعة دون أي تحرّك جماعي، أو أي مبادرات فردية لا يمكن لها أن تكون مناسبة أو كافية لدفع الموقف العربي ليكون له موطئ قدم في التغيرات العالمية .
فإذا تابعنا حراكنا العربي على مدى سنوات . لم تجدنا نحن العرب قد قمنا بتنظيم قمة عربية بعد قمة تونس عام 2019 م بهدف تبادل الأفكار والآراء حول مستقبل منطقتنا العربية، وما يحيط بنا من مفاعيل إقليمية ودولية، وإذا كان العذر هو جائحة كوفيد 19( كورونا)، الذي منع الاجتماعات الحضورية، فإنّ القيادات الأوروبية من الصف الأول والصف الثاني والصف الثالث قد اجتمعوا عن بعد عشرات المرات خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم تتوقف اللقاءات بينهم أو يتعطل التنسيق فيما بينهم ليبحثوا في أهم قضاياهم وقضايا العالم الساخن، وسرعان ما عادوا للاجتماعات الحضورية بعد أن خف الخطر الوبائي وتم القضاء عليه جزئياً. كما أنَّ جمهورية الصين الشعبية استدعت أكثر من قمة إلى أراضيها ضمن مشروعها العالمي الهام الطريق والحزام. وقامت العديد من المنظمات الدولية الكبيرة مثل هيئة الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي(الناتو) ودول جوار روسيا الاتحادية التي اجتمعت منذ أيام لتنسيق الجهود الأمنية والاستراتيجية بينها استعداداً للمخاطر التي تحدق بدول الاتحاد الروسي.جميعهم عقدوا قمم واجتماعات هامة ومصيرية .
القمّة العربيّة المنعقدة في تونس عام 2019 م وعلى الرغم من أن قراراتها لم تكن ذات تأثير فاعل وقوي في حل القضايا العربيّة الراهنة المستعصية، إلاّ أنّها حافظت نوعاً ما على الحدّ الأدنى المشترك من التنسيق العربي. لكننا اليوم نعيش قضايا دولية مستجدة وساخنة تستدعي أكثر من أي وقت مضى تنسيقاً عربياً على أوسع نطاق. بخاصة وأنَّ الأزمات العالمية ما تزال تتصاعد بسرعةٍ لافتة .مع العلم أنَّ هناك عشرات الملفات العالمية ما زالت قيد البحث والدراسة والحل من دول العالم ونحن خارج إطارها. فهناك تداعيات جائحة كوفيد 19 (كورونا)، والحرب الروسية في أوكرانيا، والخطر الإسرائيلي المتفاقم الذي لن يكتفي بالسيطرة على مدينة القدس ،والملف النووي الإيراني، أيضاً هناك العديد من الملفات التي تخص وطننا العربي مثل الملف الليبي والسوري واليمني وهي ملفات ساخنة، وأخيراً هناك الصراع المحتدم بيم الصين والولايات المتحدة الأمريكية الذي لن يتأخر انفجاره على وقع احتدام الاختلافات بين البلدين وبلوغ المنافسة الاقتصادية والسيادية ذروتها. فأين نحن العرب من كل هذه الملفات الساخنة ؟ بخاصة وأنَّ الخطر المحدق علينا سيكون تأثيره علينا قبل غيرنا في المدى القريب. هذا الخطر هو الحديث المتزايد عن المجاعة القادمة وفقدان الحاجيات الغذائية الأساسية التي تسببت فيها الأزمة الأوكرانية على العالم. فالدول الأوروبية وبعد إقرارهم العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية وحتى العسكرية على روسيا، عادوا سريعاً لفتح أبواب التفاوض معها من أجل إيجاد حلول سريعة ودائمة لاستمرارية إمدادات الحبوب عبر البحر الأسود. وملف الطاقة وعلى رأسها الغاز، بات يمثّل كنزاً عظيماً للدول المنتجة، لكن نقصان الإمدادات يهدّد بانهيار العديد من الدول التي لم تعد قادرة على تحمّل غلاء الأسعار المتداولة عالمياً.جملة هذه القضايا الساخنة والتي تتصاعد بشكلٍ متسارع وغيرها كثير يستوجب الحد الأدنى المشترك من تبادل الآراء والأفكار لتحصين الشعب العربي وحمايته حتّى في ظلّ الخلافات الحادّة بين أقطاره ودوله، وذلك من أجل بلورة موقف عربي موحّد نستطيع من خلاله نحن العرب أن نقدم تصورات ورؤى تكون حاسمة في ملفات المنطقة الساخنة والخطيرة. 
إن هذا التفكك العربي والغياب الغير مبرّرعن معظم بل كل الملفات الإقليمية والدولية، لن يستفيد منه أحد وإن كانت الاستفادة منه راهنة وظرفية، فإنّ وطننا العربي وما نملك من إمكانيات وثروات وموقع جيواستراتيجي عالمي سيكون الكعكة التي ستعمل القوى الدولية القوية على تقاسمها مجدداً مثلما فعلت واتفقت في بدايات القرن العشرين في اتفاقيات سايكس ـ بيكو. العالم يتغيّر بشكلٍ متسارع ،وماريوبول هي ستالينغراد الحادي والعشرين. ونحن العرب يجب ألاّ نفوِّت على أنفسنا فرصة التحرر من الإرث الاستعماري الكولونيالي الذي ظل مخيماً على وطننا العربي منذ منتصف القرن العشرين وحتى العقدين الأوليين من القرن الحادي والعشرين.
لقد طرح العرب عقد قمة عربية في الجزائر، لكن حتى تاريخ كتابة هذه المقالة لم يتم الاتفاق على تثبيت موعدها المقترح في شهر تشرين الثاني القادم وهو تاريخ انطلاق الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1954 م .وربما تكون رمزيّة التاريخ مجدية فعلاً في هذا التوقيت، في اتخاذ قرارات مصيريّة بعد أن تكون الحرب في أوكرانيا قد أفضت إلى ما خططت له ورسمته القوى العالمية الجديدة الصاعدة في عالمنا الحالي. وما علينا نحن العرب سوى القفز على خلافاتنا والعمل على توحيد الموقف العربي وصيانة مكوناتنا الوطنية والقومية . بخاصة وأننا أمضيناً ردحاً من الزمن ومصالحنا يسيطر عليها الغير.وآن الأوان لاستعادنا حقوقنا ومصالحنا ،وانخراطنا المجدي في هذه التحولات العالمية المصيرية. كما علينا فض خلافات العربية ـ العربية من أجل النهوض من جديد وعدم الاعتماد على الأقوياء. فهذا العالم لا مكان فيه للضعفاء .
calendar_month03/06/2022 09:51 am