
أجرت إيطاليا مؤخراً انتخابات كانت نتائجها حاسمة بفوز اليمين الشعبوي المتطرف الذي دعا إلى تشكيل الحكومة الإيطالية المقبلة. فقد حسم الإيطاليون خيارهم أخيراً ، مما دفع إيطاليا لأن تعود مئة عام إلى الوراء، وذلك لأنها احتضنت الحزب الفاشي الإيطالي الذي أسسه بينيتو موسوليني من عام ١٩٢٢ حتى عام ١٩٤٣ م .
فقد قرر الإيطاليون في الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي، اختيار الحزب ذو الجذور الفاشية فراتيلي ديتاليا (أخوة إيطاليا) الذي تتزعمه جورجيا ميلوني، و(حزب فورزا إيطاليا) اليميني بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، لقيادة إيطاليا خلال السبع سنوات المقبلة .و«حزب الرابطة» اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سلفيني. وستكون جورجيا ميلوني أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في إيطاليا، باعتبار أن حزبها
(حزب الرابطة) اليميني المتطرف يتصدر نتائج الانتخابات.
بعد إعلان النتائج النهائية وجهت جورجيا ميلوني كلمة مختصرة قدمت فيها الشكر للشعب الإيطالي الذي منح اليمين المتطرف تفويضاً واضحاً، لتشكيل الحكومة الإيطالية، وأعلنت أن حزبها «سيحكم الجميع لتوحيد الشعب وتمجيد ما يوحده وليس ما يفرقه».
هذه الانتخابات أحدثت نتائجها زلزالاً سياسياً في إيطاليا .هذا الزلزال سوف تكون له ارتدادات سلبية في دول الاتحاد الأوروبي، وقد أشارت جورجيا ميلوني إلى ذلك بقولها: (إنهم قلقون جداً في الاتحاد الأوروبي لرؤية ميلوني في الحكومة).. لقد تصدرت وسائل الإعلام الإيطالية هذه العبارة (انتهى العيد) . حيث تم الإعلان أنً إيطاليا ستبدأ بالدفاع عن مصالحها الوطنية، بخاصة بعد أن تمكن اليمين السويدي المتطرف من تحقيق فوز مماثل في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى سيطرة اليمين الشعبوي المتطرف على السلطة في المجر، وانتعاش اليمين الفرنسي بشكلٍ كبير . وقد عبّر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن سعادته لفوز اليمين الإيطالي المتطرف ، وبعث برسالة إلى جورجيا ميلوني التي ستشكل الحكومة المقبلة
قال فيها: (نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أصدقاء يمينيين يتشاركون رؤية ونهجاً مشتركين تجاه أوروبا)، وكذلك فعل نظيره رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيسكي، ورئيس التجمع الوطني الفرنسي جوردان بارديلا.
التخوف الأوروبي مما حدث ويحدث سببه أن إيطاليا هي إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي ، وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، وهناك مواقف متعارضة للأحزاب الإيطالية الفائزة، مع السياسات الأوروبية تجاه عدد كبير من القضايا الأوروبية والعالمية حول الهجرة وقوانينها والدفاع والحرب الروسية _ الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا الاتحادية.
وسائل الإعلام الإيطالية عبّرت أيضاً عن قلقها الشديد من فوز اليمين المتطرف في إيطاليا، بل ذهب بعضها إلى الحديث عن دور روسي في الانتخابات، فقد كتبت صحيفة «لا ريبوبليكا» على صفحتها الأولى «التحدي النهائي أمام أوروبا والرئيس الروسي بوتين»،فيما تحدثت صحيفة «ستامبا» الشهيرة عن ما أسمته «خطر الابتزاز الروسي على إيطاليا».
لم يتوقف الأمر عند هذا هذا الحد فقد اتهمت صحيفة «إيل ميساغيرو» روسيا الاتحادية «بالتدخل في الانتخابات بشكل مباشر عبر اختراقها السيبراني».
كانت السيدة جورجيا ميلوني تحمل مشروعاً واضح المعالم يدعو إلى إخراج إيطاليا من منطقة اليورو، ثم تراجعت عنه لأسباب غير واضحة، وهي تدعو الآن من أجل إيطاليا «قوية وجدية ومحترمة ولها وقعها على الساحة الدولية، إيطاليا التي تدافع عن مصالحها الوطنية كما يفعل الآخرون في الكثير من دول العالم».
يبدو أنّ الاتحاد الأوروبي يواجه أيام صعبة، لأن عاصفة (بريكست) تجد طريقها إلى دول أخرى على غير الطريقة التي اتبعتها بريطانية، وفي اتجاه سياسي آخر، سوف يصب، نهاية الأمر، في مصلحة روسيا الاتحادية في مجرى الصراع القائم على الساحة الأوروبية. كما أن مهمة جورجيا ميلوني لن تكون سهلة أمام حجم الديون الهائلة التي تمثل أكثر من ١٥٠% من إجمالي الناتج المحلي، وارتفاع حاد غير مسبوق في الأسعار، وهي تحتاج إلى استمرار المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي، لذاف الأمور ليست سهلة أمامها، كما أنّ المناورة أمامها محدودة جداً ، لكنها تستطيع الوقوف في صف بولندا والمجر في المعركة ضد الاتحاد الأوروبي .