
لم تتوقف التصريحات النارية التصادمية بين روسيا الاتحادية من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة ثانية بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا .
فقبل أيام قليلة خرج على العالم كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطاب تصادمي ساخن، يخلو من لهجة التفاهم أو اللهجة الدبلوماسية التوافقية الهادئة، كما يخلو من الالتقاء عند حل وسط بين الطرفين، ويوحي باحتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة نووية مدمرة . مع أن كلٌ واحدٍ منهما جو بايدن وفلاديمير بوتين يعرف وبالمعلومات الدقيقة المؤكدة، أنه سيخرج خاسراً لا محالة. وأن الدمار والخراب والحرائق أمرٌ سيصيب الجانبين.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في خطاب للأمة الروسية أنه «عندما تتعرض وحدة أراضينا للتهديد، فسوف نستخدم بالطبع كل السبل المتاحة لحماية روسيا الاتحادية وشعبها». متهماً الغرب الأمريكي _ الأوروبي بأن «هدفه الرئيسي إضعافنا وشق صفوفنا، وتدمير بلادنا وتخريبها». ملوّحاً بإمكان استخدام السلاح النووي المدمّر .
بعدها مباشرة كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يلقي خطابه في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وردّ على خطاب الرئيس فلاديمير بوتين مهاجماً إياه، واتهمه بتهديد أوروبا بالسلاح النووي الفتاك .
قبل هذه المواجهة العلنية بأسابيع عدة، كانت مراكز الفكر السياسي ومراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية قد انشغلت بدراسة احتمالات نشوب حرب نووية، وتقدير حجم ومدى الخسائر التي ستصيب طرفي الحرب بشكلٍ خاص، والبشرية بشكلٍ عام .
هناك العديد من الدراسات والبحوث التي نشرتها وأذاعتها شبكة «س. بي. إس» التلفزيونية الأمريكية، والتي قدّرت حجم الخسائر البشرية بأنها ستشمل مقتل لا يقل عن ٣٧٠ مليون شخص عندما تنشب الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة أخرى، وكذلك إصابة نحو ستة مليارات إنسان بالمجاعة الحقيقية وفقدان الغذاء ، وانخفاض درجات الحرارة لأكثر من ٥٨ درجة فهرنهايت.
وفي دراسة معمقة قدمها البروفيسور الأمريكي الكس ويليرشتين الباحث بمعهد التكنولوجيا في نيويورك، جاء فيها : إن الدمار الذي سيلحق بالجانبين هو أمر مؤكد. وكان الرئيس الروسي بوتين منذ أول يوم لحرب أوكرانيا، قد حذر من أن أية تدخلات خارجية ضد بلاده سوف تؤدي إلى عواقب لم يسبق للعالم أن شهد لها مثيلاً في التاريخ البشري .
مجموعة كبيرة من العلماء، المتخصصين سبق أن أجروا في الثامن والعشرين من شهر حزيران٢٠٢٢ م استطلاعاً بين النخبة المتخصصة، شارك فيه كل من السيد بيتر سكو بليك عضو برنامج الأمن العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤلف كتاب «أمريكا في مواجهتهم»، عن تاريخ الاستراتيجية النووية، الدكتور ديفيد ماندير عضو الأكاديمية التكنولوجية في نيويورك. وكانت نتيجة الاستطلاع أن النزاع النووي يعود الآن كاحتمال قائم وغير مستبعد .
عدد كبير من المحللين في الغرب الأمريكي _ الأوروبي حذّروا من تحول النزاع حول أوكرانيا إلى حرب نووية مدمّرة ، وقالوا: إن الرئيس فلاديمير بوتين عندما يواجه احتمال إصابة روسيا الاتحادية بهزيمة عسكرية، فإنه قد يستخدم ما يُسمى بالأسلحة النووية التكتيكية على أرض أوكرانيا، وبنفس القدر يخطط حلف شمال الأطلسي(الناتو) لاستخدام أسلحة نووية كذلك.
عدد كبير جداً من المحللين الاستراتيجيين قالوا: إن روسيا الاتحادية ستلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية إذا شعرت أن وجودها وأمنها القومي أصبح مهدداً، وتوقعوا أن يقتصر استخدام الرئيس بوتين للأسلحة النووية التكتيكية على أرض القتال داخل أوكرانيا فقط.
تقول معظم الدراسات والأبحاث الغربية الأمريكية والأوروبية : إن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية كانتا أثناء الحرب الباردة تحرصان كل الحرص على تجنب أي مواجهة مسلحة بينهما، واتفقتا على الحد من انتشار السلاح النووي من خلال معاهدة سولت الأولى وسولت الثانية، وإن كانت كل واحدةٍ منهما قد أشعلت حروباً طاحنة بالوكالة، وقامتا بتزويد أطرافها بالسلاح التكتيكي.
بعض الدارسين والباحثين يرون أن الدلائل التي توحي بأن مجازفة الرئيس فلاديمير بوتين بحرب نووية تعد قليلة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية سترد في هذه الحالة، بتدمير روسيا الاتحادية كدولة. وفي مواجهة ذلك جاء تحذير فلاديمير بوتين عندما قال: إنهم يريدون عالماً من دون روسيا الاتحادية .
تضمنت تلك الدراسات والأبحاث المتخصصة، القول: إننا لسنا على يقين من أن روسيا الاتحادية لابد وأن تستخدم الأسلحة النووية الفتاكة، لكن علينا أن نفترض الأسوأ على ضوء ما نحن فيه من خوف وقلق وتوترات . وعلينا أن نتوقع وجود فرصة بنسبة لا تقل عن خمس وتسعون بالمائة من أن روسيا الاتحادية يمكن أن تستخدم أسلحة نووية تكتيكية ضمن أماكن محدّدة ، في أي قتال مباشر مع قوات حلف شمال الأطلسي(الناتو) . وأن نتوقع افتراضاً أن يكون استخدام هذه الأسلحة محصوراً داخل حدود أوكرانيا فقط . مع وجود افتراض لدى البعض – نتيجة سوء التقدير – من تمدد القتال إلى أهداف استراتيجية أبعد من ذلك في بعض دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) .
ثم إن قادة حلف شمال الأطلسي(الناتو) هم الذين يجب أن يقرروا ما إذا كانت قواتهم العسكرية ستتحرك لمواجهة مباشرة مع روسيا الاتحادية . وإن كنا نعتقد أن الاحتمال ضئيل جداً في إقدامهم على ذلك، لكن عليهم أيضاً أن يعترفوا بشكلٍ علني بأن سياساتهم قد تدفع فلاديمير بوتين نحو التصعيد.
هنا لا يمكن تجاهل تحذيرات سبق أن أعلنتها شخصيات أمريكية ذات شأن ومعرفة بالشؤون الاستراتيجية، من أن تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الفناء الخلفي لروسيا الاتحادية، حيث حدودها مع دول انضمت إلى حلف الناتو في السنوات الماضية يمكن أن يقود مستقبلاً إلى حرب مع استمرار هذا التمدد، وهو ما يعزز مخاوف روسيا الاتحادية من أن الهدف الرئيسي هو هزيمتها وإضعافها. هؤلاء جميعاً توقعوا رد فعل قاطع وحاد من فلاديمير بوتين.
ويبقى السؤال الأهم : من يملك الحكمة والبصيرة ليخرج نفسه والعالم بأسره من تلك الدائرة الجهنمية التي لا تبقي ولا تذر ؟
أعتقد أن الجميع معني بإيجاد حل سريع ونزع فتيل أي عمل تدميري.