
ستون عاماً مضت على أشهر أزمة كادت تؤدي إلى حرب مدمرة في العالم التي جرت صيف عام ١٩٦٢ م ، والتي تم وصفها ب(أزمة الكاريبي) أو ( أزمة الصواريخ الكوبية)، التي كادت أن تتحول إلى حرب نووية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق. ضمن أحداث الحرب الباردة. وتقارن أزمة الصواريخ الكوبية بـحصار العاصمة الألمانية برلين كواحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، وتعتبر هذه الأزمة أقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام الحرب النووية.
بدأت الأزمة تتفاقم بعد محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام الرئيس الكوبي، فيدل كاسترو. ولحماية الحليف الكوبي شرعت قيادة الاتحاد السوفييتي السابق في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية على الأراضي الكوبية، كانت تلك الصواريخ قادرة أن تصيب معظم أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وجاء ذلك، في جانب منه على الأقل، رداً سوفييتياً على نشر الغرب الأوروبي، قبل ذلك بسنوات قليلة، صواريخ نووية في بريطانيا وتركيا وإيطاليا ، تلك الصواريخ تمنح الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على ضرب العديد من دول الاتحاد السوفييتي بأكثر من مئة صاروخ ذي رأس نووي.
ونتيجة للمفاوضات السرية والعلنية تمّ احتواء الأزمة. حيث اتفق الرئيسان الأمريكي جون كينيدي، والسوفييتي خروتشوف، بوساطة دولية، على صفقة تم أطلاق عليها اسم (صفقة لا غالب ولا مغلوب).
بهذه العملية الهامة والنوعية أنقذ خروتشوف نظام فيدل كاسترو في هافانا من غزو أمريكي محتمل، ومن جانبه، حافظ الرئيس الأمريكي جون كينيدي على وعده الانتخابي بالوقوف ضد ما أسماه (الخطر) السوفييتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.
عقود ستة مرت على تلك الأزمة العالمية، كان الشبح النووي خلالها متوارياً إلى حدٍ كبير ، ولم يظهر ظله أو شبحه حتى جاء اليوم الموعود في الحرب الروسية _ الأوكرانية . لكنه يطلّ برأسه بقوة، اليوم، ليس بعيداً عن بحر آزوف الاستراتيجي الذي تقع جزيرة القرم بينه وبين البحر الأسود، على خلفية النزاع الساخن الجاري على الأراضي الأوكرانية، حيث يتبادل الطرفان الروسي والأمريكي التهم بالتهديد باستخدام السلاح النووي الفتاك.
في هذه الأثناء يطالعنا تصريح للسفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية أناتولي أنطونوف، يؤكد فيه عدم جواز تكرار أزمة صواريخ البحر الكاريبي بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، داعياً إلى الاستفادة من دروس تلك الفترة الدرامية التي تم فيها نزع فتيل حرب نووية. فالحرب النووية لا منتصر فيها نهائياً ، وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى طريقة التدمير الذاتي والكلي والشامل (عليّ وعلى أعدائي) كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحاً في تهديده للغرب الأمريكي _ الأوروبي، بأنه إذا لم يراع خطوط روسيا الاتحادية الحمراء، فإنها لن تتردد في استخدام كل ما لديها من قوة بما فيها السلاح النووي.
في أجواء مشحونة مثل هذه، نقرأ الموقف الجديد للرئيس التركي أردوغان، التي تحدث عن خطط ومشاريع روسيا الاتحادية عقب نتائج الاستفتاءات في، المناطق الأربع دونتسيك وزاباروجيا وخيرسون ولوغانسك. الواقعة ضمن الأراضي الأوكرانية التي باتت تحت سيطرتها، يقول فيه: (إذا نوى الرئيس الروسي بوتين الذي أعرفه أمراً فإنه سيفعله لا محالة) . أما المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، فقد ذكّرت مؤخراً بتصريح سابق لها
خلال افتتاح مؤسسة المستشار الألماني السابق هيلموت كول، ما مضمونه: (إن كلمات الرئيس فلاديمير بوتين يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وعدم إهمالها واعتبارها مخادعة، والتعامل معها بجدية ليس بأي حال من الأحوال علامة على الضعف والوهن أو الاسترضاء، ولكن التعامل معها يعد علامة على الحكمة السياسية) .
من جهته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق، إن الدول الغربية ردّت على الحرب الروسية _ الأوكرانية باللجوء إلى (الابتزاز النووي) لأنها تشجع القوات الأوكرانية على قصف محطة زابوروجيا للطاقة النووية، وتعلن صراحةً أن استخدام الأسلحة النووية هو خيار واحد من العديد من الخيارات المتاحة ، مضيفاً أن جمهورية روسيا الاتحادية مستعدة لاستخدام كل الوسائل المتاحة لها للدفاع عن وحدة أراضيها وشعبها، وهذا ( ليس خدعة).