
تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة أواخر النصف الأول من القرن العشرين، فقد تأسَّست عام ١٩٤٥ م بعد الحرب العالمية الثانية، وتعرف اختصاراً بهيئة الأمم المتحدة، هي مُنظمة حُكومية دَولية وهي أيضاً واحدة من أكبر وأشهر المنظمات الدولية في القرن العشرين، وقد حدَّد ميثاق الأمم المتحدة الغاية والهدف من تأسيسها بالمحافظة على الأمن والسلم الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية هامة وفعَّالة لمنع وإزالة الأخطار الكبيرة التي تهدد السلام والأمن العالميين، كما تهدف إلى تنمية العلاقات الودية والدبلوماسية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق، وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتقرير المصير للشعوب.وحماية جميع الشعوب والدفاع عنها ضد التمييز العنصري بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، بالإضافة لأن تكون مركزاً دولياً هاماً لتنسيق أعمال دول العالم في تحقيق هذه الغايات المشتركة.
الجدير بالذكر أن المقر الرئيسي للأمم المتحدة يقع على أرض دولية، أي أنها تتمتع ب (حصانة محلية) في مدينة نيويورك الأمريكية، ولها مكاتب رئيسية أخرى في جنيف، وفيينا، ونيروبي ،ولاهاي في هولاندا .
في سياق الصراع الدولي يؤكد علم الاجتماع السياسي،أنه توجد معادلتان رئيسيتان هامتان في العلاقات الدولية، الأولى تتصل بموازين القوى بين الدول، بينما ترتبط الثانية بالحق وبفلسفة الحق. وكما أسلفنا فقد أسفر القرن العشرون عن ولادة الأمم المتحدة، كمؤسسة أممية تعكس عملية التفاعل والجدل بين المعادلتين، وتقوم إلى حدّ مقبول بمعايرة ما يمكن أن ينجم من الحالات الضدية المحتملة بين الدول، أو بين موازين القوى والحقوق الإنسانية، أي حقوق الدول والشعوب قبل كل شيء، وكان ثمن تلك الولادة بعد مخاض سياسي وعسكري كبيرين تجربة مريرة خاضتها الجيوش في حربين عالميتين مدمرمتين
، تركتا وراءهما عشرات الملايين من القتلى والجرحى والمعاقين، وعشرات الملايين من اللاجئين والمشرين. إضافة إلى تدمير مدن وقرى وبلدات بأكملها، وإعادة بعض الدول التي شهدت معارك طاحنة إلى الوراء عقوداً عدة من حيث التنمية البشرية والعمران والتمدن وعودة الحياة الإنسانية .
في حقيقة الأمر انّ الهدف الرئيسي الذي قامت عليه منظمة الأمم المتحدة في شهر نيسان عام ١٩٤٥ م هو منع نشوب الحروب في المستقبل، وهو ما تضمّنه ميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي دخل حيّز التنفيذ في شهر تشرين الأول من العام نفسه ١٩٤٥م ، وقد أورد المؤسّسون الذين وصل عددهم نحو خمسين دولة في البند الأول من الفصل الأول، أن الغاية الهامة والأساسية من هذه المؤسسة هو (حفظ الأمن والسلم الدوليين). وركّز الميثاق على مسألتين هامتين، هما : (منع جميع الأسباب التي تؤدي إلى الحروب وإزالتها) ، و(حلّ المنازعات والصراعات الدولية التي قد تؤدي للإخلال بالأمن والسلم العالمي وتسويتها) . وكان من الطبيعي أن يعكس مجلس الأمن الدولي موازين القوى العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ م، من خلال منح الدول المنتصرة امتياز العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وحقّ النقض (الفيتو).
الجدير بالذكر أنّ العالم كان لحظة تأسيس منظمة الأمم المتحدة قد استهلك منطق السياسات الاستعمارية استهلاكاً تاماً في القرن التاسع عشر، وهو ما سيتوّج خلال العشرين عاماً التالية بمنح الدول المنتدبة والمستعمرات حقّ تقرير مصيرها ومصير شعوبها واستقلالها وسيادتها، ونشوء شكل من أشكال التوازن بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة الأمريكية والمنظومة الغربية من جهة، والاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه من جهة ثانية. وقد توسّعت مهام هيئة الأمم المتحدة وتفرّعت إلى العديد من القضايا الأممية، عبر شبكة واسعة من المؤسسات والهيئات والإدارات التي تعنى بالتعليم والصحة والقضاء والتغذية، والعدل والمساواة، وتقوم بتنفيذ العديد من البرامج والمشاريع الواسعة في عدد كبير من دول العالم، كتعبير عن روح ومضمون المسؤولية العامة المشتركة في حل الأزمات والصراعات التي يمر بها العالم في مستوياته الرئيسية.
أما في الجانب الحقوقي الدولي أو الجانب القانوني والتشريعي ، فقد كان المبدأ الرئيسي الحاكم لنشوء هيئة الأمم المتحدة والذي استقت منه وظيفتها ومسؤولياتها، هو مبدأ سيادة الدول على أراضيها، بغض النظر عن مساحة الدولة وقوتها وقوة اقتصادها أو ضعفه، والاحتفاظ بحق كلّ دولة من الدول في تقرير طبيعة علاقاتها الخارجية مع دول العالم، في إطار التنافس السلمي وتحقيق الأمن والأمان الدوليين، بخاصة أن الحرب العالمية الثانية، كانت قد بدأت بانتهاك ألمانيا النازية سيادة جارتها بولندا واجتياحها بالكامل. وبناء عليه، فإن وظيفة هيئة الأمم المتحدة هي تأمين هذا المبدأ وتحقيق بشكل عملي وفعّال عبر الوسائل السلمية وبالطرق الدبلوماسية بالدرجة الأولى، مع استثناء خاص نصّ عليه الفصل السابع من مجلس الأمن الدولي ، وتحديداً في المادتين أربعين وواحد وأربعين ، وذلك عبر قوات عسكرية مجهزة تابعة لدول أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وهو ما تمّ تطبيقه في عدد محدود من الحالات في بعض دول العالم .
يبدو أن هذه المنظمة الأممية قد تماسكت خلال ما يقارب ثمانين عاماً تقريباً، لم يكن من دون مشكلات وأزمات تفاقمت مع الزمن، بعضها من طبيعة بنيوية وإدارية، تتعلق بارتفاع منسوب البيروقراطية والعمل الإداري البطيء الصارم التي تؤخّر عمليات الاستجابة للأزمات والصراعات العالمية، أو من خلال تنامي حالات الفساد الإداري والمالي المتفشية في داخلها، أو شبكات النفوذ والهيمنة، وتحديداً الهيمنة الأمريكية، وهو ما تمّ انتقاده مراراً وعلناً، ودفع نحو إحداث تقليص البنى الإدارية والهيئات التابعة لها أو تمويلات بعض المؤسسات، لكن المعضلة الأساسية الكبرى تكمن في التحولات الدولية نفسها. فقد كان هناك الكثير من الدول التي كانت محدودة التأثير في الاقتصاد والتجارة وسوق العمل الدولي لحظة تأسيس الأمم المتحدة، أو أنها خسرت الحرب العالمية الثانية ولم يعد لها وزن دولي، أصبحت اليوم قوى وازنة في سوق العمل الدولي ولها دور كبير في الفعل السياسي والعسكري والاقتصادي والتجاري والمالي .
وفي إطار ما شهدتها دول العالم من تحولات، عجزت منظمة الأمم المتحدة عن التدخّل الفعال في معالجة انفراط عقد سيادة بعض الدول وانهيارها في العشر سنوات الأخيرة، والأسوأ من كل ذلك، أنه استُخدمت منظمة الأمم المتحدة كمنصة للإقرار بموازين القوى الجديدة الناشئة على الرغم من عدم شرعيتها التاريخية والسياسية ، وترك قوى الأمر الواقع تحسم الصراعات والحروب الساخنة، ما أتاح من جديد استعادة السياسات الاستعمارية الكولونيالية القديمة التي تتخطى مبدأ سيادة الدولة على أراضيها. وهذا الأمر يعكس حجم الخلل الكبير الموجود في العلاقات الدولية.
مستقبل منظمة الأمم المتحدة ما يزال مرهون بقدرتها وإمكانياتها على المحافظة على الدور والمهمة الأساسية التي استوجبت تكوينها وإنشاءها، لكن معظم المؤشرات والمعطيات المتوفرة تشير إلى أنّ مقوّمات وجودها السياسي وملحقاتها أصابها الخلل ولم تعد تقوم بواجباتها الدولية بخاصة في عدم قدرتها على تحقيق قراراتها التي اتخذنها بخصوص القضية الفلسطينية .