
فقد العملة الموحدة أكثر من 11% من قيمته منذ بداية العام حتي الآن، يعود جزء كبير من هذا الانخفاض الحاد إلى الصراع الروسي الأوكراني الذي اندلع في أواخر فبراير، وقد أضر الصراع أيضًا بالاقتصاد الأوروبي حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى تأجيج التضخم.
في الآونة الأخيرة انخفض اليورو بسرعة إلى ما دون الحاجز النفسي المهم البالغ 1 يورو مقابل الدولار الواحد، مسجلاً مستوى منخفضًا جديدًا منذ ديسمبر 2002، حيث أثرت أزمة الطاقة المتفاقمة ومخاطر الركود على الاقتصاد الأوروبي، من المؤكد أن تستمر أزمة الطاقة في أوروبا في الضغط على اليورو حتى يتم التوصل إلى بعض الوضوح بشأن خطورة الوضع، ومن المحتمل ألا يحدث ذلك في الأشهر القليلة المقبلة، علاوة على ذلك، فإن مسار التضييق النقدي للبنك الاحتياطي الفيدرالي يحافظ على الدولار مدعومًا جيدًا، بالإضافة إلى الشعور بالابتعاد عن المخاطرة في الأسواق نظرًا لحالات الركود التي تلوح في الأفق وتصاعد التوترات في أوروبا الشرقية، وبسبب هذا، من المرجح أن يظل اليورو في اتجاه هبوطي على المدى المتوسط، على الرغم من رؤية بعض محاولات التعافي على طول الطريق.
ما هي أسباب سقوط اليورو؟
بدأ اليورو العام بشكل قوي بالنظر إلى الانتعاش الاقتصادي بعد كوفيد19، لكن الصراع بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز في أوروبا والمخاوف من أن موسكو قد تقطع الإمدادات كليًا زاد المخاوف من حدوث ركود في منطقة اليورو، الأمر الذي أضر بدوره بقيمة اليورو.
بالإضافة إلى اليورو كان الجنيه والين أيضًا في اتجاه هبوطي هذا العام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة الأمريكية عززت من جاذبية الدولار، في حين دفعت المخاوف من حدوث ركود عالمي المستثمرين إلى الملاذ الآمن وهو الدولار.
- 1 .البنك المركزي الأوروبي لديه مجال محدود لرفع أسعار الفائدة
يعتقد الخبراء أن ما أدى إلى انخفاض اليورو هو اتساع فروق أسعار الفائدة حيث تباعدت السياسة النقدية بين الولايات المتحدة وأوروبا، منذ وقت طويل جعلت سياسة سعر الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة عملة اليورو أكثر قيمة من الدولار، لكن البنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة منذ بداية هذا العام بوتيرة سريعة وقوية من أجل السيطرة على التضخم.
من ناحية أخرى، على الرغم من أن التضخم في منطقة اليورو قد وصل إلى مستوى قياسي، إلا أن البنك المركزي الأوروبي تباطأ في رفع أسعار الفائدة، ويرجع ذلك أساسًا إلى المخاوف من أن رفع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى أزمة ديون جديدة.
وعلى الرغم من ضعف اليورو في سوق تداول العملات الأجنبية إلا إنه سيساعد مصدري منطقة اليورو على تحسين القدرة التنافسية، لكنه سيؤدي أيضًا إلى تفاقم الارتفاع في أسعار الطاقة بالدولار، وقد أصدرت ألمانيا بيانات تظهر أن البلاد سجلت عجزًا تجاريًا لأول مرة منذ 30 عامًا.
وبينما قام البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة هذا العام مرتين، إلا أن الاقتصاد الهش يعني أنه لن يرفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من البنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد جعلت الزيادات الأبطأ في أسعار الفائدة عوائد المستثمرين في المنطقة منخفضة نسبيًا وجعلت الاحتفاظ باليورو أقل جاذبية.
يعتقد محللي سوق العملات الأجنبية أن اليورو / الدولار الأمريكي سيصبح أكثر تقلبًا بعد كسر مستويات التكافؤ، وسيتم تشغيل بعض أوامر وقف الخسارة وإنشاء أوامر بيع جديدة، من وجهة نظر فنية، سيجد اليورو دعمًا بين مستوى 0.9984 دولار إلى 0.9950 دولار أمريكي.
- 2 .استمرار ارتفاع الدولار يزيد من مخاطر الركود
يري البعض أن الارتفاع الحاد في قيمة الدولار هو نعمة ونقمة في نفس الوقت، بل هو نقمة على الأرجح في الوقت الحالي، الأسواق العالمية في وضع آمن حاليًا حيث يفضل المستثمرون بوضوح شراء أصول الدولار الأمريكي والدولار الأمريكي.
هناك عاملين رئيسيين يقودان الدولار ويبدو أنهما سيستمران في دفع الدولار إلى الأعلى:
أولاً: يتمثل أحد أكبر المخاطر التي تلوح في أفق الأسواق المالية العالمية في الصراع الروسي الأوكراني وتأثيره على إمدادات الغذاء والطاقة العالمية، تواجه أوروبا على وجه الخصوص أزمة طاقة حادة وركودًا اقتصاديًا حادًا، خاصة بعد إغلاق خط أنابيب نورد ستريم 1 بهدف ظاهري لأعمال الصيانة، ولكن الحكومات في العديد من الدول بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والنمسا قالوا أن روسيا تغلق خط الأنابيب رداً على العقوبات الغربية، وكلما طالت مدة إغلاق خط الأنابيب ارتفع سعر الغاز الطبيعي، وبالتالي سترتفع احتمالية حدوث أزمة طاقة وكساد بشكل حاد.
الثاني: هو اتساع فجوة أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وأوروبا، حيث رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل أسعار الفائدة لتصل بين نطاق 3%-3.25% حتي الآن وهو الأعلي منذ عام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية، في حين أن البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة لتصل إلى 1.25% بعد أن وصل التضخم إلى مستوى قياسي.
في الوقت نفسه، انخفض الين بشكل حاد مقابل الدولار مرة أخرى بسبب الاختلاف في السياسة النقدية، حيث يُصر بنك اليابان على الحفاظ على سياسته النقدية التحفيزية وتعهد بشراء أكبر قدر ممكن من السندات الحكومية من أجل الحفاظ على عائد 10 سنوات عند الصفر أو بالقرب منه.
هناك رأي مشترك بأن الدولار القوي مفيد للولايات المتحدة، حيث يشير الاقتصاديون إلى أن قوة الدولار تساعد على إبقاء التضخم تحت السيطرة لأن الولايات المتحدة تستورد أكثر مما تصدر، كما أن الدولار القوي يعكس تفاؤلًا نسبيًا بشأن الاقتصاد الأمريكي في وقت قد يكون فيه الاقتصاد العالمي بطيئًا لفترة طويلة من الزمن.
- لكن لدي البعض رأي مغايرًا لذلك، حيث يُعتقد أن للدولار القوي سلبيات أيضا:
أولاً، إن قدرة ارتفاع الدولار على خفض أسعار السلع المستوردة وبالتالي كبح التضخم هو سلاح ذو حدين، لأنه سيجعل من الصعب على البنك الاحتياطي الفيدرالي محاربة التضخم عن طريق تهدئة الطلب، والنتيجة هي إما أن البنك الاحتياطي سيشدد السياسة النقدية بشكل أكثر قوة أو أن الاقتصاد سيشهد ركودًا تضخميًا، حيث يستمر التضخم المرتفع على الرغم من التباطؤ الملحوظ في النمو الاقتصادي.
الثاني، هو الجانب الآخر لانخفاض أسعار السلع المستوردة، حيث يضر ارتفاع الدولار بالصادرات الأمريكية وأرباح الشركات الأمريكية في الخارج مما يهدد النمو الاقتصادي.
- 3 .فقد الثقة في اليورو
إن تراجع اليورو إلى ما دون مستوي التعادل يرجع أساسًا إلى فقد المستثمرين الثقة في اليورو، فبعد أزمة الديون الأوروبية تعافى الاقتصاد الأوروبي ببطء، ولكن في السنوات الأخيرة جاءت عوامل غير مواتية مثل الوباء وأزمة الطاقة والصراع الروسي الأوكراني لتضع الاقتصاد الأوروبي في مأزق، مما تضررت ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأوروبي.
في الماضي، كان لدى البنك المركزي الأوروبي صورة "صلبة للغاية" في أعين المستثمرين، وبعد تنفيذ سياسة التسهيل الكمي تخلى البنك المركزي الأوروبي عن إطار سياسته المتمثلة في مراقبة التضخم عن كثب وضمان بيئة نقدية مستقرة، إن الاعتماد المفرط على التيسير الكمي و "أسعار الفائدة السلبية" غير التقليدية وعدم الفهم في مواجهة التضخم المرتفع قلل إلى حد كبير من ثقة المستثمرين في البنك المركزي الأوروبي مما أدى إلى انخفاض اليورو.