
في خطوة جديدة على طي صفحة الانسداد السياسي في العراق التي أعقبت الانتخابات التشريعية المبكرة شهر في تشرين الأول من العام الماضي ٢٠٢٢ م ، لم يكن سوى خطوة أولى على طريق حل المشاكل والأزمات المتراكمة والقضايا المستعصية التي تعانيها البلاد منذ سنوات، وسط تحديات هائلة وشائكة على القائمين أن يسعوا إلى معالجتها في المرحلة القادمة.
انطلاقاً من حالة الماضي السياسي في العراق ونتيجةً للظروف التي أفرزت رئيساً جديداً للعراق ومن ثم تكليف شخصية جدلية اختلف العراقيون حولها وهي شخصية من الوسط التقليدي لتشكل حكومة جديدة، لا ينبغي تجاهل المصائب والأزمات والتراكمات السابقة بما في ذلك التوترات الحادة والمصادمات الساخنة التي بلغت حد العنف في أواخر شهر آب الماضي، والتي ستبقى حاضرة بقوة في المرحلة القادمة، ما لم يتم التوصل إلى تسويات عملية وحلولاً حقيقية بين الأطراف السياسية، أو وضع حلول جذرية للمشاكل والصواب والقضايا الشائكة والمعقدة التي يعاني منها المجتمع والدولة العراقية. والتي برزت على السطح في وقتٍ مبكر مثل الخلافات الكردية التي عادت بعد يوم واحد من انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للعراق إلى ما كانت عليه، حيث يزعم كلا الحزبين الكبيرين، (الاتحاد الوطني الكردستاني) و(الحزب الوطني الديمقراطي) ، أنه عملية (كسر إرادة) الآخر، وبالتالي فإن استمرار هذه النزاعات وتلك الصراعات سيترك تأثيراته السلبية في مجمل الساحة السياسية العراقية.
أهم أشكال التحديات تكمن في قدرة رئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني على تشكيل حكومة عراقية تأخذ في الاعتبار مصالح الشعب العراقي وجميع الأطراف السياسية المؤثرة، بخاصة وأن السيد محمد شياع السوداني كان سبباً رئيسياً في التوتر الحاد والصدام الدموي الساخن الذي جرى في أواخر شهر آب الماضي بين التيار الصدري وقوى (الإطار التنسيقي).
في حقيقة الأمر أن إعادة تثبيت محمد شياع السوداني، بما يعنيه ذلك من انتصار معنوي آني (للإطار التنسيقي)، لا تعني أن الأمور على خير ما يرام وأنّ الطريق أصبح ممهداً لفرض سيطرة قوى (الإطار التنسيقي) على الساحة السياسية العراقية، على الرغم من محاولة محمد شياع السوداني، عقب تكليفة بتشكيل الحكومة العراقية، طمأنة تلك القوى، بالتركيز على الوحدة الوطنية العراقية وعدم تهميش أو إقصاء أي منها.
ذلك أن سكوت التيار الصدري، حتى الآن، يمكن تفسيره باتجاهين، وفق المحللين السياسيين والمراقبين، إما أنه يريد، وهو يرى عودة حكومات المحاصصة الطائفية المناقضة لمشروعه السياسي، من الحكومة العراقية المقبلة الممثلة لخصومه السياسيين أن تتخذ قرارات معينة، يعتقد أنها ستصطدم بالشارع العراقي الذي ما زال يعاني جراء الانقسام والفساد السياسي، وبالتالي فإنه سيعود لمواجهتها في الشارع المتأجج أيضاً، وهو صاحب القاعدة الجماهيرية الأوسع في العراق، ويعمل لإسقاطها وفرض العودة لإجراء انتخابات تشريعية جديدة مبكرة على أمل تغيير المعادلات القائمة على الساحة العراقية.
وإما أن التيار الصدري قد توصل إلى تسوية مسبقة مع مجموعة (الإطار التنسيقي) تحفظ مصالحه واحتياجاته، مقابل إعطاء فرصة للحكومة الجديدة لحل الكثير من القضايا المعقدة ومشكلات المجتمع والدولة العراقية. وفي هذه الحال، سيكون أمام محمد شياع السوداني تحدٍ رئيسي يتمثل في كيفية تجاوز صعوبات وحواجز المحاصصة الطائفية والسياسية وتشكيل حكومة عراقية جديدة ترضي جميع الأطراف المتنازعة، في غضون المهلة المحددة بثلاثين يوماً تجنباً لعدم الدخول في متاهات ودهاليز التمديد والتجاذبات والتناقضات السياسية الحادة، وتضع نصب عينها تهيئة الظروف المناسبة لانتخابات محلية وبرلمانية جديدة.
وخلال هذه المدة، سيكون التحدي الحقيقي الأكبر للحكومة العراقية الجديدة، إلى جانب التحديات السياسية والاقتصادية الحادة ومحاربة العنف والإرهاب والإرهابيين والمرتزقة، هو العمل الجاد لتطوير وتحديث العراق وتطهير الدولة العراقية ومؤسساتها من الفساد والفاسدين والمفسدين، ووضع الخطط والمشاريع الكفيلة بالتنمية والنهوض بالمجتمع العراقي وتأمين الفرص المناسبة للعاطلين عن العمل وقبل ذلك توفير المياه الضرورية الصالحة للشرب وتوفير الكهرباء وتأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجها الشعب العراقي المجيد .