أعلنت هيئة الأمم المتحدة رسمياً أن يوم 17 ـ 19 من شهر تشرين الأول عام 2008 م، يوم عالمي للقضاء على الفقر في العالم ،بعد قيامها بإجراء مقياس (فقر القدرة) المقابل لمؤشر التنمية البشرية ،والذي أفضى إلى معلومة مفادها أنّ هناك متوسط مرجح لثلاث مؤشرات حاولت العمل على تحديد شريحة البشر، التي لا تتمتع بأهم الخدمات الأساسية، من التغذية الجيدة والصحة والتعليم وتأمين السكن ومتطلبات الحياة .
 بعيداً عن تعقيدات المفاهيم والاصطلاحات يعدّ الفرد فقيراً أو الأسرة التي ي\تعيش ضمن إطار الفقر إذا كان الدخل المتأتي لها غير كافٍ للحصول على أدنى مستوى من الأساسيات والضروريات الإنسانية للمحافظة على نشاطات حياته وحيويتها.
في هذا السياق لا يمكن تجاوز العديد من التعريفات للفقر التي انبعثت من منطلقات أيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية. والفقر بشكل عام لا يمثل ظاهرة في المجتمع لها خصوصيتها ،بل يتم ترجمته من خلال ما في تنظيم هذا المجتمع وإرساء قواعد ناظمة له. والفقر ليس صفةً بل هو حالةً يمر بها الفرد أو الأسرة تبعاً لمقاييس ومعايير محددة، فمثلا يعرف الفقر بمفهومه العام السائد على انه انخفاض مستوى الحياة المعيشة عن مستوى معيَّن ضمن معايير ومقاييس اقتصادية واجتماعية وسياسية. وعرف بشيء من الشرح والتفصيل على أنه الحالة الاقتصادية الصعبة التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي والضروري للحصول على المستويات الدنيا من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والملبس وكل ما يُعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة الكريمة. وفي ضوء الشِّرْعة الدولية لحقوق الإنسان. في حقيقة الأمر هناك أكثر من مفهوم للفقر ويختلف باختلاف البلدان والقتصادات وال ثقافات والأزمنة، ولا يوجد اتفاق دولي مثبت أو مدوّن حول تعريف الفقر نظراً لتشابك العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتداخلها التي تشكل ذلك التعريف وتؤثر عليه تأثيراً مباشراً، إلّا أنه هناك اتفاق عام بوجود ارتباط بين الفقر والحرمان والإشباع من الحاجات الضرورية الأساسية المادية أو غير المادية، وعليه فهناك اتفاق سائد حول مفهوم الفقرعلى أنه حالةً من الحرمان المادي والفاقد للإشباع الذي يتم ترجمته بانخفاض استهلاك الغذاء الضروري للإنسان، كماً ونوعاً، وتدني الأوضاع الصحية بشكلٍ خطير، والمستوى التعليمي والوضع السكني، والحرمان من السلع التي تدوم مدةً طويلة، والأصول المادية الأخرى الضرورية، وفقدان الضمانات الاجتماعية لمواجهة الحالات القاسية والصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة، والبطالة المقنعة وغيرها. وللحرمان المادي انعكاسات سيئة تتمثل بأوجه أخرى للفقر كعدم الشعور بالأمن والأمان ضعف القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة وممارسة حرية الاختيار ومواجهة الصدمات الخارجية والداخلية المتتالية. يمكن تعريف الفقر بأنه وضع إنساني قوامه الحرمان المستمر أو المزمن من الموارد، والإمكانات، والخيارات، والأمن، والقدرة على التمتع بمستوى معيشي لائق وكذلك من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى.
أما أنواع الفقر فقد حاولت العديد من البحوث والدراسات أن تضع تقسيمات وتصنيفات محددة لظاهرة الفقر، وقد اختلفت تلك التصنيفات وتناقضت، ومن أشهر تلك التصنيفات هو التصنيف الذي يقع في إطار تقييم الحالة وعلى أساس حساب مستوى الفقر الذي قسم الفقر إلى مستويات عدة ،وذلك لغرض قياسه مثل : 
ـ الفقر المطلق Absolute Poverty : وهو الظرف أوالحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله القومي، الوصول إلى تأمين متطلباته وإشباع حاجاته الأساسية ،وهي ضرورية ،والمتمثلة بالغذاء، والصحة ،والمسكن، والتعلم، والملبس، والنقل . الفقر المدقع Extreme Poverty الذي تمت تسميته بالفقر المزريDisruptive Poverty هو الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان، عبر التصرف بما يملكه من دخل قومي، الوصول إلى إشباع حاجاته الغذائية لتأمين عدد معين من السعرات الحرارية لجسمه التي تمكّنه من مواصلة حياته ووجوده الإنساني عند حدود معينة من البقاء، والذي يقترب من الفقر المدقع وما يسمى بالفاقة Pauperism، أو العوز الشديد .وقد أضافت بعض الدراسات والأبحاث نوع آخر من الفقر وهو فقر الرفاهة Welfare Poverty .لقد حدَّد بعض الباحثين المتخصصين نوع آخر من الفقر الذي يتعرض له بعض الشرائح الاجتماعية في العالم ،وخاصة في المجتمعات الغربية التي تعيش فيما يسمى بالبلدان المتقدمة أو البلدان المتطورة والتي يتمتع أفرادها بالمنجزات الحضارية الحديثة الهائلة، كالأجهزة المتطورة والحديثة، والتكنولوجية الذكية وبعض وسائل الترفيه المتعدّدة والمتنوعة التي تفتقر إليها بعض الشرائح التي تعيش في المجتمع نفسه، وذلك أطلق عليه تسمية فقر الرفاهة. وقد أوردت بعض الدراسات والأبحاث أنواع أخرى للفقرغير التي ذكرناها ،والتي صنفت حسب الظروف والعوامل المسببة للفقر، إذ تم تقسيم الفقر إلى نوعين رئيسيين أساسيين،هما: فقر التمكين وفقر التكوين، حيث يمثل النوع الأول مظاهر الفقر الناتجة بسبب الصعوبات والمعوقات الواقعية أو الافتراضية كالعوامل الفسيولوجية/ البيولوجية والتي في مقدمتها الإعاقة البدنية والعقلية والنفسية بأشكالها المختلفة والتي تمثل قصوراً واضحاً في القدرات الشخصية للأفراد. والإعاقة الاجتماعية - النفسية، ممثلةً في الأنوثة مقارنة بالذكورة، واليافعين والشباب مقارنين بالأطفال وبكبار السن، والجماعات الفرعية الضغيرة مقارنة ببعضها البعض أو بالمجتمع السياسي / الدولة. 
إنّ مرور ذكرى يوم الفقراء في السابع عشر من تشرين الأول يجعلنا مندفعين للعمل من أجل إنقاذ ومساعدة الفقراء في كل أنحاء العالم كلٌ من موقعه، بخاصة وأنّ أعداد الفقراء يزداد يوماً بعد يوم بسبب جائحة كوفيد 19 (كورونا) والحرب الطاحنة في أوكرانيا والتغييرات المناخية الهائلة ، بينما تتزايد ثروة حفنة من الأفراد فتصل إلى أرقام فلكية هائلة في تعبير دقيق عن حالة إفقار وتجويع عالمية، والافتقار إلى نوع من العدالة الإنسانية والأخلاقية،وعدم المساواة في توزيع الثروة الهائلة على المواطنين.
  لقد أرادت هيئة الأمم المتحدة أن تطلق شعار (الكرامة للجميع) في اليوم العالمي للقضاء على الفقر»، إنما تريد تذكير العالم بأسره بأنَّ كرامة الإنسان هي حق أصيل، ليس هذا فحسب، بل هي الركيزة الرئيسية والأساسية لجميع الحقوق الأساسية الأخرى. ولكل إنسان الحق أن يعيش بكرامته دون مساس أو امتهان. الجدير بالذكر أنّ نسبة الفقر في العالم قد تفاقمت وفاقت المليار وثلاثمائة مليون شخص ، ونصفهم من الشباب والأطفال والباقي من المسنين والمعاقين والمرضى. كما أن التفاوتات الكبير في الفرص والمداخيل تزداد حدّة يوماً بعد يوم، وتزداد معها الفجوة بين الأغنياء والفقراء المحتاجين،وربما لا تتماثل معاناة الفقر والحرمان بين اثنين أبدا. ولأول مرة، يعرض مؤشر قياس الفقر متعدّد الأبعاد للعام الحالي 2022 م الذي جاء تحت عنوان ( ملامح الحرمان) وإحدى النتائج الواضحة في مؤشى المقياس هي أن تلك الملامح تختلف باختلاف المناطق والدول وأوضاعها الاقتصادية والسياسية والأمنية. وبتحليل الأنماط والنماذج والروابط المتداخلة بهذه الصورة، أصبح مؤشر الفقر والحرمان متعدد الأبعاد أداة أقوى للمساعدة في مراقبة التقدم الإيجابي في تحقيق مشاريع التنمية المستدامة وأهدافها.
في الوقت الذي بدأ فيه المجتمع الدولي خلال الثلاثين عاماً الماضية للقضاء على الفقر، أفادت التقديرات والمؤشرات المتوفرة أنَّ عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميا بلغ نحو 783 مليون شخص في عام 2013م .
 وهذا يدل على تزايد التفاوتات في الفرص والمداخيل سنوياً وتزايداً حاداً سنة بعد سنة، وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء المحتاجين. لقد سجّلت قوة الشركات وثروة طبقة الملياردير ارتفاعاً كبيراً غير مسبوق ،في حين جاهد الملايين وكابدوا للبقاء في ظل تآكل الحقوق العمالية ونوعية الوظائف وتأمين سبل العيش الكريم .
وقضية الفقر وغياب المساواة الاجتماعية والإنسانية، وعدم توزيع الثروة بشكلٍ عادل بين المواطنين، ليست قضية حتمية، بل هي نتائج لقرارات مقصودة ومدروسة بطريقةٍ خبيثة أو تقاعس عن العمل مما أضعف الفئات الأشد فقراً وحاجةً وتهميشاً في مجتمعاتنا وانتهك حقوقهم وكرامتهم الإنسانية الأساسية. إن العنف الصامت والمتواصل للفقر والتمييز الهيكلي والإقصاء الاجتماعي وغياب التمكين يُعجز المحاصرين في براثن الفقر المدقع عن الهروب ويُنكر إنسانيتهم وحقهم العيش بحياة كريمة .كما أنّ جائحة كوفيد 19 (كورونا) سلّطت الضوء على هذه الدينامية فكشف عن الهوة الواسعة وإخفاقات نظام الحماية الصحية والاجتماعية فضلاً عن غياب المساواة والعدالة وأشكال مختلفة من التمييز اللا إنساني التي تعمق الفقر والفاقة والحاجة وتديمهم. إضافةً لما تشكِّله حالة الطوارئ والتغيرات المناخية القاسية والتي هي أشد عنفاً ضد الفقراء والمحتاجين والجوع، حيث تُثقل كواهل هذه المجتمعات وتلك الدول بأعباء مالية واقتصادية بسبب تكرار الكوارث الطبيعية الخطيرة والتدهور البيئي غير المسبوق، مما يتسبب في تدمير البنى التحتية للعيش الإنساني الكريم كما يتسبب في تدمير بيوتهم ومحاصيلهم ومصدر رزقهم وسبل عيشهم.
calendar_month22/10/2022 03:38 pm