لا يمكن الحديث عن الدولة الحديثة ومفهومها دون الحديث عن القيم أو الأخلاق السياسية، ومقدماتها النظرية ،وأسسها الحديثة. خاصةً وأنَّ فلاسفة الاجتماع السياسي لم يتفقوا على تعريف محدَّد للدولةِ الحديثة، بل لم يتفقوا على صيغةٍ ومدلولٍ مفهوم محدَّد للدولة الحديثة، والسبب هو أنَّ فلاسفة الاجتماع خضعوا لقهرٍ وإكراهاتٍ واقعهم المرير، سواءَ الموروث التاريخي التقليدي أو التوجه الرأسمالي والحداثي، أو التوجه الاشتراكي .فالعديد من التعريفات التي وردت عن الدولةِ الحديثة جاءت انعكاساً لرؤاهم وتصوراتهم الفلسفية تجاهَ الهدف الأساس الذي وجدت الدولة الحديثة من أجلهِ. فقد رأت الفلسفة الرأسمالية أنَّ الهدفَ من وجود الدولةِ وقوّتها وتطورها، هو بناء الفرد. أما المنظومة الاشتراكية فقد رأت أنَّ الهدفَ الرئيسي من وجود الدولة، هو إقامة سلطة الطبقة العاملة، وتشييد حكمها ورفض الفرد كدور أساسي. أما بقية الفلاسفة وعلماء الاجتماع، فقد اضطربت تصوراتهم ورؤاهم فلم يتمكنوا من تجاوز هذين الهدفين. 
لقد أكَّد عالم الاجتماع العربي ابن خلدون أنَّ الدولة هي: (الملك التام) الذي لا يكون فوقه حكمٌ آخر.وأنها قد تجمع تحت سلطةٍ واحدةٍ أو حكمٍ واحدٍ عدّة أقوام، وعدّة ملوك على تلك الأقوام، ولهذا السبب كثيراً ما نرى عالم الاجتماع العربي الكبير ابن خلدون يضيف على كلمة الدولة صفة (العامة) للدلالة على مقصوده هذا بوضوح أتم، فيقول (الدولة العامة) في جاء ذلك في عدة مواضيع، تمييزاً لها عن (الدولة) على وجه الإطلاق.

أما العلماء الألمان فقد درسوا كتاب أندرياس أنتر حول مفهوم الدولة وقد استعان به المتخصصون والمهتمون بأفكار الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر السياسية. والتي أطلق عليها اسم نظرية: (ماكس فيبر للدولة الحديثة). والتي يقول فيها أندرياس أنتر: أنّ (نظرية) ماكس فيبر عن الدولة الحديثة ليست في الواقع نظريةً مكتملةً، فهي غير متماسكة ويعتريها النقص. 
الجدير بالذكر أنَّ مقولة روح الدولة لا تروق للكثير من المشتغلين والمتخصصين في عموم الفكر والثقافة والمعرفة، والفكر السياسي خصوصاً، فكيف إذاً يكون الوضع بشكلٍ عام، فيما لو حاولنا أن نقارب مفهوماً أو مدلولاً سياسياً بامتياز، ومتعيّناً بشكلٍ مناسب، مثل الدولة، عبر مفهومٍ مثالي، لكن، مشروعية هذه المقاربة أو المجاورة، أنها ممتدة في الجدل الفلسفي/ السياسي منذ حقبة اليونان الأولى، وبداية مع الفيلسوف اليوناني أفلاطون، وصولاً إلى الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل (1770-1831)، الذي يعتبر أنً الدولة هي تحقق (تعيّن) العقل في الإنسان والتاريخ،ولأنَّ الفيلسوف هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان،ويعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. كان له الفضل في تطوير المنهج الجدلي، وفي التناقض بين النظر إلى المفاهيم في كليتها في الفلسفة المثالية، وبين فرادتها وخصوصيتها في الفلسفة المادية، هناك نوع من التكامل والذي يمكن أن يصل حدَّ التطابق، الذي تقيمه وتؤكد عليه فكرة الوجود، بوصفه تعبيراً عن التنوع والوحدة في الوقت ذاته، وهو ما يجعل من المفاهيم والآراء القابلة للجدل بين مثاليتها وماديتها، أي بين ما هو متعيّن ومحقّق، وبين ما هو غير قابل للتعين أو للتحقيق بشكل نهائي، لكنه فاعل بقوة.
في حقيقة الأمر إنَّ مفهوم الروح يحيل إلى الضمير والوجدان والمبادئ، التي يعتقد على نطاق واسع، بأنَّها مغايرة ومفارقة لمفهوم السياسة بشكلٍ عام، بوصفها عالم المصالح والمنافع المادية، أي عالم الواقع المتعيّن ومصالحه المتغيّرة، إلا أَّنَّ التاريخ بوصفه صيرورة وسيرورة، هو أيضاً مجالاً واسعاً للصراع بين المصالح، هو كذلك صراع بين القيم والأخلاق والنواميس. وتاريخ الفكر الإنساني هو تاريخ المقاربة والمجاورة الأخلاقية للسياسة، وتاريخ السعي الحثيث إلى تحديد قواعد للممارسة السياسية بشكلها العملي والمتطابقة مع متطلبات الواقع، وتحديد غاياتها، المتمثّلة في السعادة والخير، بوصفهما قيمتين إنسانيتين عاليتين محدَّدتين للعالم الإنساني.
ثمة اتفاق بين علماء الاجتماع السياسي، على أنه لا أهمية للقيم والنواميس والأخلاق، ولا وجود لها، خارج إطار الدولة، ما يؤكّد أهميةَ وعظمةَ الدولةِ وما تقوم بهِ ، وما يجعل الدولة أكبر من أن تكون مجرّد تنظيم وإطار وإدارة، وهي على الرغم من كونها كائناً مصطنعاً تمت صناعته بإحكام، لكنها، ولكونها كائناً مصطنعاً، فهي تشكّل إرادةً ما، تتسم بالقوة والصلابة، هي إرادة صنّاعها ومؤسسيها، وهي تعكس فعلياً رؤيتهم لذواتهم ولمفاهيمهم وآرائهم، ورؤيتهم لهذا الكيان الاصطناعي الهام، أي الدولة، مع التحفّظ بطبيعة الحال، على أنَّ الإحالة إلى الجمع في الرؤى، أو الذوات، هي إحالة تقريبية نوعاً ما، لا ينبغي أن تلغي معادلات القوّة في الدولة والمجتمع، أي قدرة جماعات وفئات وأفراد معينين، في شرطٍ تاريخيٍّ معيَّن، أنَّ تفرض رؤيتها وذاتها على الدولةِ.
لقد شهد تاريخ الفكر السياسي الحديث، العديد من المحاولات لإلغاء وتغييب مقولة الروح، عبر مادية بحتة مبتذلة، كما في المادية التي تبناها جوزيف ستالين القائد لثاني للاتحاد السوفييتي السابق، الذي حكم من منتصف عشرينيات القرن العشرين حتى وفاته عام 1935م .وعرفت بــ (المادية الستالينية)، كما تمّ اختزال الصراع الاجتماعي واستتباعاته، ومن ورائهِ المجتمع السوفييتي، في قسمٍ لا بأس به من الأدبيات التي تركتها الفلسفة الماركسية ،وحقبتها الطويلة التي دامت نحو سبعين عاماً، إلى صراع بين طبقتين،العمال والرأسمالية، أي بين أرباب العمل وبين منتجيه، بين المستحوذين على فائض القيمة والقيمة المضافة، وبين صنّاع فائض القيمة، وهذا الاختصار يلغي من الناحية الواقعية والمعرفية أي تعريفات أخرى للمجتمع. والمجتمع بهذا يؤلف مجموعةً من الناس التي تشكل النظام نصف المغلق والتي تشكل شبكة العلاقات بين الناس، المعنى العادي للمجتمع يشير إلى مجموعة من الناس تعيش سوية في شكلٍ منظّم وضمن جماعة منظمة تنظيماً محكماً. 
كما يحوِّل الفرد إلى مجرّد عضو في جماعة طبقية كبيرة، لكن، في مقابل هذه المادية المحضة المبتذلة، هناك مثالية أيديولوجية شرقية متنوعة ومتلونة بألوان عديدة، عقائدية تارة، ودينية تارة أخرى،تحوّل الفرد والمجتمع إلى مجرد رعايا يخضعون لجملة القوانين والتشريعات الناظمة، أو جنود في معركة أيديولوجية أو حتى معركة ميتافزيقية.
يشكل الدستور في الدولة الحديثة المرجعية الكبرى في الوجدانية والقيمية، التي تسمو فوق النزاعات والصراعت، أو تحدِّد مجرى وسياقات النزاع الاجتماعي في طابعه السلمي. كما تتمتّع الدولة بالقوة التنفيذية التي تساعدها على تنفيذ مواد الدستور القابلة للتطبيق القانوني. مما يؤهلها ويجعلها قادرة على تكريس القيم والحفاظ عليها.
calendar_month29/11/2022 11:08 am