بعد الفجَر كَان فَجرًا بَاسِمًا، ويومًا جَميلاً نبيلاً مُباركًا عاطَرًا، بالغيثِ مَاطِّرًا، وصباحًا مُشرِقًا زاهِّرًا، ومُبشِّرًا ومُنيرًا لصاحبهِ فهو في ذمة، وحفظ الملك دائِّمًا؛ فطوبى ثم طُوبى لمن أقام كل حياتهِ على أداء ذلك الفرض العظيم في جماعة يوميًا وأصبح مُسَبح ومُصِّبِح بالروح سابح في فجر كل صباح كأنهُ المصباح المليح المُنير الصحيح؛ ولقد ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنهُ قال:" إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض".
ولكي ترتاح، ونرتاح، ويرتاح الجميع في كُل مساءٍ، وصباحٍ نبوح بَوحَ فواح يلامس أجمل الأرواح، ويجلب الأفراح والليالي المِلاحَ لترتاح كل روح في الفجرِ مع هبوب نسماتٍ عليلة مع الرياح لتشتم الريحان؛ وتفرح الروح بعد أداء فريضة صلاة الفجر؛ لأنها أم العبادات وأساسها، والعنوان الحقيقي للإيمان، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وخير الأعمال، وقرة عين الأبرار، وبريد الجنة، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.. إنها صلاة الفجر؛ فلا يخفى على كل ذي لُب ما لها من فضائل كبيرة بين كل الفرائض، حتى أقسم بها الله تعالى ولا يقسم الله العظيم إلا بشيء عظيم – فقال عز من قائل: " وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ "؛ وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ، وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أربعين ليلة فِي جَمَاعَةٍ لَا تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ كُتِبت لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاق"؛ وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا؛ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ المُؤَذِّنَ، فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ"؛ ويدلل ذلك الحديث عن وعيد وإنذار شديد من النبي لكل من يتخلف عن الصلاة في جماعة!؛ فكيف بمن يضيع صلاة الفجر في جماعة؟؟!!.. جاء في الحديث عن سيدنا عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـــــ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله؛ ولعظم مكانتها أكد النبي عليه الصلاة والسلام على أهمية أداء صلاة الفجر جماعة في المسجد فقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبوا"؛ فصلاة الفجر جالبة للمزيد من الفضائل، والأجور لما يصحبها من المشقة والعناء ومجاهدة النفس في وقت الأداء، فيعظم الثواب، والأجر على قدر المشقة، والنصب، كما قال صلى الله عليه وسلم: « الأجر على قدر نصبك »؛ وقد حازت هذه الصلاة جملة من الفضائل، والثواب، ومنها: أن راتبة صلاة الفجر خيرٌ من الدنيا، وما فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا، وما فيها، ولهما أحب إلي من الدنيا جميعا"؛ ولذا لم يكن عليه الصلاة، والسلام يدعها لا في الحضر، ولا في السفر، ومما لا ريب فيه أن أجر فريضة صلاة الفجر نفسها سيكون أعظم من سنيتها؛ ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم»، وقال القرطبي:” وقوله: من صلّى الصبح فهو في ذمّة الله؛ أي: في أمان الله، وفي جواره؛ أي: قد استجار بالله تعالى، والله تعالى قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى، فمن فعل ذلك فالله تعالى يطلبه بحقه، ومن يطلبه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ، وهذا، وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين، وترغيب حضور صلاة الفجر؛ وهي صلاة مشهودة، فصلاة الفجر مُلتقى بين ملائكة الليل، وملائكة النهار ويشهدونها مع المصلين، ووقتها قريب من النزول الإلهي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه، وسلم قال: « تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده، بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» ثم يقول أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: { إن قرآن الفجر كان مشهودا؛ ويقول الشيخ السعدي: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله، وملائكة الليل، وملائكة والنهار؛ وإن صلاة الفجر في جماعة تورث نور لصاحبها يوم القيامة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بنور من الله يوم القيامة»؛ والجزاء من جنس العمل، ومن جاهد نفسه، وآثر القيام عن النوم، ومشى في الظلم لأداء صلاة الفجر فسيعوضه الله بنور تام يوم القيامة؛ وحضور صلاة الفجر، والعصر في الجماعة عصمة من دخول النار، وضمانًا لدخول الجنة لقول رسول الله صلى الله عليه، وسلم: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها»؛ ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صلى البردين دخل الجنة»؛ والمقصود بالصلاة من الحديثين حسب تفسير الرواة، والعلماء هما الصبح، والعصر والله تعالى أعلى وأعلم؛ والسبب في ذلك لأداء الفجر في أول النهار والعصر آخره، فهنيئا لرجال الفجر الذين فازوا بالغنيمة الباردة؛ وإن حضور صلاة الفجر، والعشاء في الجماعة برهان على الإيمان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر»؛ وإذا كانت صلاة العشاء، والفجر ثقيلة على المنافقين وإنه بذلك يبرأ شهودهما من النفاق، ويشهد لهم بالإيمان أن صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»؛ وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علي بيتي عمر بن الخطاب، فوجد عندي رجلين نائمين فقال: وما شأن هذين ما شهدا معي الصلاة؟ قلت: يا أمير المؤمنين صليا مع الناس ـ وكان ذلك في رمضان ـ فلم يزالا يصليان حتى أصبحا، وصليا الصبح، وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إلي من أن أصلي ليلة حتى أصبح؛ وفي رواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حتمة في صلاة الصبح، وأن عمر غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد، والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في صلاة الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة"؛ ويذكر يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي أن أباه قام ليلة ـ وكان يحيي الليل كله فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فقال: هذا مما جنى علي هذا الفراش، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض وجلده شيئا شهرين فقرح فخذاه جميعًا؛ ولتكن هذه النصوص، والآثار شحذ الهمم وزيادة في العزم والثبات، ودعوة للنهوض من سرير النوم العميق لتأدية صلاة الفجر، والتخلي عن رماد الكسل، والخمول لا سيما في فصل الشتاء المثبط عن النهوض المبكر من النوم، حتى تكون بداية اليوم بداية مباركة طيبة كما هو هدي سلف الأمة فمن سار على الدرب، وصل؛ وختامًا فإن صلاة الفجر مع الجماعة، اختصت بفوائد وأسرار انفردت بها عن سائر الصلوات، منها الدخول في ذمة الله، وأجر قيام الليل وبراءة من النفاق؛ والنور التام يوم القيامة، شهود الملائكة له، وثناؤهم عليه، لهُ أجر حجة، وعمرة؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة». وصلاة الفجر غيمة لا تعدلها كل غنائم الدنيا، والدليل ما جاء عن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بعثا قبل نجد، فغنموا غنائم كثيرة، فأسرعوا الرجعة، فقال رجل ممن لم يخرج: ما رأينا بعثا أسرع رجعة، ولا أفضل غنيمة من هذا البعث، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة، وأسرع رجعة؟ قوم شهدوا الصبح، ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت عليهم الشمس، فأولئك أسرع رجعة، وأفضل غنيمة». خير من الدنيا وما فيها عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»؛ النجاة من النار: عن عمارة بن رويبة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ يعني: الفجر والعصر؛ رواه مسلم؛ والفوز برؤية الله يوم القيامة : عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: «أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا»؛ رواه البخاري ومسلم؛ الرزق والبركة، ومن بركات صلاة الفجر: أنها تنزل العبد في مقام الطاعة وقت البكور، الذي هو ذاته وقت البركة في الرزق؛ فإن النبي - صلى الله نعليه وسلم - دعا لأمته بقوله: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ رواه الترمذي بسند صحيح، عن صخر الغامدي البشرى بالجنة قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «من صلى البردين دخل الجنة»؛ وبعد أن تخرج من صلاة المسجد؛ والشوارع فارغة من الناس؛ والهدوء، والسكُون يعم المكان؛ تشعر بلذة العبادة ، وبالراحة النفسية؛ فسبحان الملك الذي دعاك لبيته، واصطَفَاك لعبادتهِ.
الباحث، والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي، والمحلل السياسي
الكاتب الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية
dr.jamalnahel@gmail.com