
الحياة برس - عندما أعلن رئيس الحكومة العراقي في هذا الاسبوع، حيدر العبادي، عن انتصار الجيش العراقي على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في مدينة الموصل، عرف أن الامر ليس نهائيا. ففي اليوم التالي لاعلان الانتصار الذي رافقته التهنئات من زعماء العالم، استمر سلاح الجو العراقي في قصف أهداف لداعش في غرب المدينة. وقد سمعت اصوات القذائف واستمر قتال الشوارع في تلك “الجيوب” التي ما زالت تتحصن فيها قوات داعش. قائد القوات الامريكية في العراق، الجنرال ستيفن تاونساند بدا في هذا الاسبوع متشككا عندما أوضح أنه “ما زالت هناك معارض شديدة وداعش لم يتم القضاء عليه في العراق”.
الاعلام العراقية التي ترفرف في غرب مدينة الموصل وصافرات السيارات وهتافات المواطنين من شأنها أن تكون مضللة. صحيح أن معظم المدينة عاد تحت سيطرة الحكومة العراقية، لكن الخشية هي من أنه حتى لو فقد داعش أحد مناطقه الجغرافية الكبيرة، حيث أظهر فيها قدرته على ادارة المدينة الاكبر في العراق وسيطر على موارد مالية كبيرة، فانه سيتفكك الى منظمات ثانوية وخلايا تبقي المعركة التي تستمر منذ ثلاث سنوات. فمن منظمة ارهابية سيطرت واحتلت مناطق من اجل اقامة وحدة سياسية، سيعود الى العمل حسب نموذج القاعدة.
هذا سؤال من الاسئلة التي لا يمكن الاجابة عليها، والتي تشعل النقاش العراقي والدولي حول اليوم التالي لداعش. بالنسبة للعراق قد تكون هذه هي المرحلة التي يمكن أن تحسم مصير العراق كدولة موحدة قادرة على العمل. وبالنسبة للقوى العظمى في الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، فان هذه المرحلة ستحدد ما اذا كان باستطاعتها الاعلان عن الانتصار والانفصال عن العراق والعودة لعلاج الارهاب في ساحتها الداخلية. أو اذا كانت ستستمر في الاهتمام بالمرحلة الحساسة القادمة – هذه المرحلة التي يجب فيها اعادة اعمار العراق واعادة الحياة الى مسارها، وعودة مئات آلاف اللاجئين العراقيين الى منازلهم المدمرة، والبنى التحتية المدمرة وصراعات القوى الداخلية.
إن صراعات القوى هذه من شأنها أن تحسم اذا كان داعش أو أي قوة اخرى مثله، سينهض من جديد في العراق بعد الحرب الحالية، أو أن العراق سينجح في اقامة علاقات جديدة بين النظام وبين الطوائف التي تتشكل منها الديمغرافيا العراقية، بشكل يكبح ظهور منظمات ومليشيات تعمل حسب أجندة خاصة بها، دينية أو طائفية.
الاختبار الاول لفرصة نجاح المصالحة الوطنية سيكون استيعاب 900 ألف لاجيء ومشرد هربوا من الموصل في السنوات الثلاثة الاخيرة. وحسب تقارير وسائل الاعلام وتقارير منظمات حقوق الانسان، فقد قتل حوالي 6 آلاف مواطن في المعركة التي جرت في الجزء الغربي من الموصل. ولا توجد احصائيات دقيقة حول عدد القتلى في الجزء الشرقي الذي تم تحريره قبل بضعة اشهر. وعدد القتلى في العراق في الحرب ضد داعش يعتمد على التقديرات التي يصعب تأكيد صحتها.
الموصل هي مدينة مختلطة، معظم سكانها من السنة، وتعيش فيها ايضا أقلية تركمانية كبيرة اضافة الى الشيعة والاكراد. أحد اسباب سهولة سقوطها في أيدي داعش في العام 2014 كان التعاون الذي حظيت به هذه المنظمة من السكان والقبائل السنية. وذلك ليس بسبب الايمان بالاسلام الراديكالي، بل بسبب المعاناة من اعتداءات النظام، ولا سيما قمع الجيش للسكان. مواطنو الموصل ومحيطها تعاملوا مع الجيش العراقي على أنه جيش محتل وليس جيشا وطنيا. وفي الحواجز التي اقيمت على مداخل المدينة والطرق المؤدية اليها تعرض المواطنون للاهانات وتمت سرقة اموالهم من قبل الجنود وتم ضرب الكثيرين منهم ومصادرة سياراتهم.
بعد تحرير غرب الموصل ايضا تعامل الجيش العراقي مع املاك المواطنين وكأنها املاكه الخاصة. وسيطر الجنود على المنازل المهجورة بذريعة أن سكانها تعاونوا مع داعش، وتمت سرقة المحلات، وقام مقاتلو المليشيات الشيعية باعتقال آلاف المواطنين، وبالتعاون مع الشرطة يقومون بادارة الاجزاء المحررة في المدينة، التي تشبه السجن المفتوح.
مشكلة الاكراد
هناك مصدر خلاف مشتعل آخر هو نقطة الالتقاء بين القوات الكردية وبين النظام في العراق. هذا الخلاف يتصل بجبهتين. الاكراد يقولون إنهم لا ينوون الانسحاب من المناطق التي حرروها من سيطرة داعش. الادعاء التاريخي للاكراد هو أن الموصل كانت جزء من ارضهم الموعودة، وأنه حان الوقت لتحقيق هذا الوعد. الادعاء المحدد هو بعد أن قتل حوالي 11.500 مقاتل كردي أو أصيبوا في الحرب ضد داعش، لن يتم اعطاء المناطق التي سفك فيها الدم اكردي للحكومة الفيدرالية. رسم حدود سيطرة الاكراد في العراق اصبح موضوعا جوهريا على خلفية نية المقاطعة الكردية برئاسة مسعود البرزاني اجراء استفتاء شعبي في 25 ايلول القادم حول الاستقلال.
الاكراد يحاولون تهدئة الحكومة العراقية وتركيا بأن الحديث يدور فقط عن استفتاء شعبي. إلا أن موضوع الحدود قد يتحول الى صراع سياسي ومواجهة عنيفة، لأن رسم الحدود سيحدد ايضا مستقبل آبار النفط الموجودة في المقاطعة الكردية.
الاستفتاء الشعبي الذي تعارضه ايران وتركيا خشية أن يؤدي الى مطالبة الاكراد في الدولتين بالاستقلال من شأنه اشعال جبهة جديدة مع دول المنطقة، لا سيما الشيعة في العراق، من اجل اقامة حكم ذاتي خاص بهم في جنوب العراق، والسنة في جنوب غرب الدولة. إن انطلاق الحوار حول اقامة مناطق حكم ذاتية سيضر ويمنع فرص المصالحة الوطنية.
ايران هي الرابح الاكبر من الحرب ضد داعش في العراق. المليشيات الشيعية ادارت قسم من المعارك تحت إمرة قائد قوة “القدس″، قاسم سليماني، وبالتعاون مع الحكومة العراقية. وبدأت ايران منذ العام 2003 بانشاء مراكز تأثير سياسية واقتصادية في العراق، وطورت التعاون الاقتصادي كرافعة استراتيجية، وأصبح العراق تحت رعايتها. وهناك علاقة ممتازة لايران مع المقاطعة الكردية، خاصة مع جناح طالباني الذي يسيطر على الجزء الشرقي قرب الحدود مع ايران. وهناك تواجد كثيف للقوات العسكرية التابعة لايران، ويوجد ممر بري يصل بين طهران والحدود مع سوريا.
لغزان بقيا بدون حل، يتعلقان بمستقبل داعش وسياسة الولايات المتحدة. حسب التقارير العراقية، بدأ داعش في صراع الوراثة لكرسي أبو بكر البغدادي الذي قتل في الرقة في سوريا، حسب التقارير. والصراع لا يدور داخل داعش فقط على الوراثة، بل يدور بين المقاتلين المحليين وبين المقاتلين الاجانب، ويتركز الصراع في منطقة تلعفر قي شرق الموصل الذي ما زال داعش يسيطر عليه. الجناح العراقي يسعى الى السيطرة على المدينة، أما الاجانب فيريدون السيطرة. وباستثناء الصراع المحلي ليس من الواضح ماذا ستكون استراتيجية داعش بعد الانسحاب من الموصل وسقوط الرقة في سوريا. هل سيعود المتطوعون الاجانب الى بلادهم ويواجهون قوات الامن هناك، أو أنهم سينضمون الى منظمات ما زالت فاعلة في مصر وليبيا، أو سيقومون بتنفيذ عمليات في الغرب؟.
داعش يتحدث من خلال تقاريره عن هزيمة الموصل كانسحاب مؤقت لا يؤثر على الحرب ككل. وليس واضحا الى متى سيستمر داعش في تمويل نشاطاته بعد أن فقد مصادر دخله الاساسية، لا سيما النفط.
ما بقي الآن هو قرار رئيس الولايات المتحدة، الذي سيحتاج الى سحب القوات الامريكية من العراق وسوريا بعد طرد داعش من المدن الرئيسة، واذا كان سيساعد العراق في عملية الاعمار المكلفة والطويلة أو أنه سيكف عن التدخل في الصراعات المحلية.
هذه القرارات ستكون متعلقة بدرجة كبيرة بالتطورات الداخلية في الولايات المتحدة ومكانة ترامب السياسية والقانونية. وفي الوقت الحالي ليست هناك حاجة الى التوقف عن التنفس بانتظار ما سيقرره ترامب، لأنه حين عملت القوات الامريكية بكل قوتها في العراق، لم ينجح ذلك في منع الازمات الداخلية التي منحت داعش فرصة السيطرة على مناطق واسعة في الدولة.
هآرتس 14/7/2017