
بقلم: تسفي برئيل
أمس صدر اعلان غريب عن القصر الملكي السعودي جاء فيه أن المحادثات التي أجراها الملك سلمان مع بعض زعماء العالم هي التي أحدثت التحول وأدت الى فتح الحرم أمام المصلين المسلمين. الاعلان لا يذكر الشخص الذي تحدث معه ملك السعودية، أو بشكل أدق إبنه محمد، لكن يمكن الافتراض أن بعض هذه المكالمات جرت مع جهات اسرائيلية بشكل مباشر أو بواسطة المقربين من ولي العهد، الذين توجد لهم علاقات مع القصر الملكي في اسرائيل.
صحيح أن الحرم هو مكان مقدس، لكن حل العاصفة التي حدثت في الحرم هو حل سياسي، وكل واحد من آباء الازمة سعى الى الحصول على نصيب من الاعتماد بخصوص حلها. للوهلة الاولى بدا هذا صراع قوة على السيادة والسيطرة بين الاوقاف الاسلامية وحكومة اسرائيل، صراع يدور حول الحفاظ على الوضع الراهن، الذي وُلد هو ايضا بقرارات سياسية وليس قرارات دينية. لهذا تركز احتواء هذه الازمة في اتجاهين وهما منع تدويل الازمة ونقلها الى الامم المتحدة وكبح الانجرار الذي قد يؤدي الى المدن الاسلامية في الدول العربية والدول الاسلامية، بشكل يبعد الانظمة العربية عن مركز التحكم بالازمة ويهدد النسيج الهش في العلاقة بين الجماهير والانظمة. المظاهرات الكبيرة، حتى لو كانت على خلفية دينية، تتطور بسرعة وتتحول الى اعمال احتجاج ضد السياسة الداخلية ومن اجل حرية التعبير وبسبب المشكلات الاقتصادية وعدم وجود الديمقراطية.
الجديد الذي وجد تعبيره في القضية الحالية هو أنه ليس فقط اسرائيل هي التي خافت من اندلاع انتفاضة فلسطينية، بل ايضا الكثير من الزعماء العرب خافوا ايضا من ذلك. وكما ظهر من ثورات الربيع العربي فان الانتفاضات معدية وخطيرة، والانتفاضة الفلسطينية لم تعد تعبيرا محليا عن الصراع القومي ضد الاحتلال الاسرائيلي، بل من شأنها أن تجند التأييد الكبير الذي سيضع الانظمة العربية أمام صدام عنيف مع الجمهور. وتجدر الاشارة الى أن حركة الاحتجاج المصرية “كفاية” نشأت في العام 2004 على أساس معارضة السياسة الاسرائيلية في فلسطين، والاحتلال الامريكي في العراق والمطالبة بالاصلاحات في مصر.
الامكانية التي يمتلكها الحرم في التجنيد والتهديد أكبر بكثير، ليس فقط لأنه يخص جميع الدول الاسلامية، بل لأنه لا يسمح للانظمة الاسلامية بقمع المظاهرات التي تحدث بسببه وبسبب هالة القداسة التي تلفه، الامر الذي يلزم الانظمة بالظهور كمن تؤيد مطالب الجمهور ضد من يعتدي على مقدساته.
نادي اصدقاء مغلق
لا توجد قداسة بدون سياسة، وما يبدو كموقع اسلامي عالمي يفرض على كل مسلم الدفاع عنه بكل قوته. بُني ايضا من الصراعات الداخلية بين الدول العربية والاسلامية بشكل يذكر بالخلافات اليهودية حول السيطرة والصلاة في حائط المبكى الغربي. ليست جميع الدول العربية متساوية في أهميتها فيما بينها عند الحديث عن “حق” الدفاع عن المسجد الاقصى. فمن جهة توجد ايران، الدولة الاسلامية الشيعية التي تقدس الحرم وتصدر التصريحات النارية ضد تهويده من قبل اسرائيل، لكنها لا تملك أي حق فيه حسب رأي الدول الاسلامية السنية. ولكن في الاسلام السني ايضا هناك حق لماليزيا وافغانستان، لكن هذا الحق ليس مثل حق مصر والاردن. ومكانة تركيا ليست مثل مكانة السعودية، ليس لأن تركيا أقل اسلامية أو لأنها غير عربية، بل لأن الخلاف هو سياسي. وفي هذه الساحة فان “اعضاء النادي” المعروفين هم الذي يسمح لهم باللعب. وفي هذا النادي يوجد ايضا تسلسل هرمي قوي. فحسب قرار الجامعة العربية، الممثل الوحيد للاماكن الاسلامية المقدسة في فلسطين هو م.ت.ف، لكن ياسر عرفات نفسه، الذي ضغط على الجامعة العربية من اجل الحصول على التمثيل الوحيد، قام باشراك دول عربية اخرى في المسؤولية عندما تم الحديث عن مستقبل الاماكن الاسلامية المقدسة. ومحمود عباس يستمر في نفس طريق عرفات في هذا الامر. فهو مثلا يستطيع رفض طلب ترامب، لكنه لا يستطيع رفض طلب السعودية.
إن حق كل دولة من الدول العربية في الموضوع الفلسطيني يتعلق بمكانتها في الشرق الاوسط. مثلا رئيس تركيا رجب طيب اردوغان يستطيع أن يهاجم لفظيا اسرائيل، وأن يطلب من المسلمين في ارجاء العالم الذهاب الى الحرم من اجل تأكيد اسلاميته، واتهام اسرائيل بنية السيطرة على المكان المقدس، والتعهد بعدم الصمت الى أن يعود الوضع في الحرم الى سابق عهده. ولكن فعليا، مكانته ووزنه في الوساطة أو التأثير في السلطة الفلسطينية أو في المؤسسة الدينية في الضفة الغربية، هي صفر تقريبا. علاقة تركيا مع حماس وتأييد قطر في ازمتها مع السعودية والقطيعة بينها وبين مصر وعلاقاتها مع ايران، كل ذلك يترك في أيدي اردوغان مكبر صوت من اجل الصراخ بدون أي مضمون سياسي حقيقي.
لقد قام اردوغان في هذا الاسبوع بزيارة السعودية من اجل الحفاظ على علاقته مع الملك سلمان. ومحاولة التوسط بين السعودية وقطر، لم تلق نجاحا كبيرا. تركيا التي هي عضوة في التحالف السني الذي أقامه الملك سلمان، بدأت السعودية في النظر اليها كدولة غير ودودة. واردوغان الذي تصادم مؤخرا مع المانيا كانت ذروته في تصريحه هذا الاسبوع حيث قال “إن المانيا ميركل اسوأ من المانيا هتلر من حيث الكراهية والقمع″. واردوغان يعتبر في الاتحاد الاوروبي رئيسا مشاكسا، يستمر في شد الحبل أمام ترامب، وفقط مع روسيا تتعمق علاقته في ظل صفقة شراء صواريخ “اس 400″ التي تثير عاصفة في الناتو. توجد لتركيا مكانة استراتيجية هامة، لكن في لعبة السكواش هذه يصطدم اردوغان بجدار عربي صلب.
مصر من ناحيتها تبنت موقفا انفصاليا، يجد تعبيره ليس فقط في قضية الحرم التي ابتعد عنها عبد الفتاح السيسي، بل أيضا في جهوده لخلق الاستقرار على الحدود بين مصر وغزة على حساب السلطة الفلسطينية. تأييد محمد دحلان، خصم أبو مازن، والتفاهمات بين قادة الاستخبارات المصرية مع حماس حول فتح معبر رفح واقامة محطة لتوليد الطاقة بتمويل من الامارات، أبعدت الرئيس المصري عن التأثير على محمود عباس. وهو يهتم أكثر بالمصالحة في ليبيا من اجل ضمان حدود مصر وعدم دخول الارهاب من الحدود الغربية. لهذا ليس من المفاجيء أن الشارع المصري بقي هادئا، ووسائل الاعلام هناك اهتمت بأمور اخرى. السيسي يقوم باجراء محادثات تنسيق مع الملك الاردني ومع ملك السعودية ومع اسرائيل، نقارنة مع مبارك الذي اعتاد على استضافة الاطراف في احداث مشابهة من اجل فرض الحل المصري – لم ينجح دائما، لكنه كان حريصا على الاظهار بأنه صاحب البيت.
الاردن الذي تعرض ملكه الى بصقة من نتنياهو عندما احتفل باطلاق سراح الحارس من السفارة، يعتبر برميل المتفجرات الاكثر حساسية في قضية الحرم. الاخوان المسلمون في الاردن يحظون ليس فقط بالمكانة القانونية، خلافا لمصر والسعودية، بل لهم اعضاء في البرلمان ايضا – 16 نائبا من أصل 130 نائبا. تمثيلهم الرمزي في البرلمان لا يعبر عن قوتهم الحقيقية في الشارع التي تتجسد في قدرتهم على تجنيد المتظاهرين وتأجيج المشاعر عندما تتعلق الامور باسرائيل بشكل عام والاماكن المقدسة بشكل خاص. الاردن، من خلال الاوقاف الاسلامية، هو صاحب البيت في الحرم. وحسب اتفاق السلام مع اسرائيل، مطلوب من اسرائيل التشاور معه في كل أمر يتعلق بالوضع الراهن في الحرم، وفي أي عملية سياسية مع الفلسطينيين.
التفاهمات التي تمت في هذا الاسبوع بين الاردن واسرائيل غير واضحة. صحيح أن الاردن قال إنه لم تكن هناك صفقة، وأن اطلاق سراح الحارس الذي قتل مواطنين اردنيين نبع من التزامه بالاتفاقيات الدولية. ولكن مصادر اردنية قالت للصحيفة إن سرعة تنفيذ اطلاق سراح الحارس الذي تزامن مع ازالة البوابات الالكترونية في الحرم، تؤكد على أن هناك صفقة، وقد تكون هناك تعهدات اسرائيلية لم يتم نشرها. واذا وجدت تعهدات كهذه فهي لا ترتبط بالحرم بالضرورة، بل بالتعاون العسكري والاستخباري بين الدولتين أو الطلب من ترامب زيادة مبلغ المساعدات الامريكية للاردن.
على ترتيبات الدخول الى الحرم وغياب العملية السياسية ولامبالاة الدول العربية والمجتمع الدولي. يبدو أن الفرق الجوهري هو أن الانتفاضة الثانية اندلعت على خلفية نجاح الانتفاضة الاولى التي أدت الى توقيع اتفاق اوسلو. النتائج التراجيدية للانتفاضة الثانية، من الناحية الانسانية والسياسية، نقشت عميقا في الذاكرة الجماعية الفلسطينية. ويصعب توقع تاريخ لنهاية هذه الصدمة. الحرب الاهلية في لبنان ما زالت تشكل الكابح لاندلاع الحرب من جديد. ويبدو أن الصدمة الفلسطينية ما زالت قائمة، لكن من الافضل عدم اختبارها.
هآرتس – مقال – 28/7/2017