الحياة برس - قال يحيعام ميرط، رئيس قسم (تسوميت) لتجنيد عملاء بالمخابرات الإسرائيلية (الموساد) سابقًا، إنه بعد 40 عامًا من اندلاع حرب أكتوبر قرر أن يتوصل إلى ما حدث في حرب 1973، وهل خسرت إسرائيل أم فازت في هذه المعركة؟، وذلك بمناسبة حلول الذكرى الـ44 للحرب.
وفي شهادته التي نشرها موقع "دافار ريشون" الإخباري العبري، تحت عنوان: "هل يمكننا استيعاب دروس حرب 1973؟"، أضاف ميرط: "لقد قتل أخي في حرب 1973، لم أغص إلى أعماق ما حدث بهذه الأخيرة وقبلت الرأي الذي ساد ويسود حتى الآن بين الجماهير الإسرائيلية، وهو أن تل أبيب أرادت السلام والقاهرة شنت هجومها، وكان فشل المصريين هو الذي أدى بهم في النهاية إلى الاعتراف بأنه لا مفر ولابد من عقد سلام مع إسرائيل، وأنا أقول لك الآن: (هذا غير صحيح)".
وتابع: "بالرغم من أنه في السنوات الأخيرة قدمت إسرائيل الكثير والكثير من الوثائق التي تعود لفترة الحرب والأيام التي سبقتها، سواء من بروتوكولات الجلسات الحكومية أو الشهادات التي أدلى بها المسؤولون أمام لجنة أجرانات -التي عقدتها إسرائيل بعد الحرب لمعرفة أسباب التقصير والهزيمة- أو تلك الأرشيفية الخاصة بالولايات المتحدة وروسيا والمفرج عنها خلال الفترة الماضية".
واستدرك: "بالرغم من كل ما سبق من وثائق، إلا أنه لا زالت الذاكرة التاريخية للشعب الإسرائيلي تدرك وتستوعب أن العرب هم الذين رفضوا السلام مع تل أبيب قبل نشوب حرب أكتوبر، وهذه عبارة غير صحيحة بالمرة وتخدم غرورنا وتتجاهل تماما ما حدث في الحرب، على الصعيدين السياسي والعسكري".
واعتبر المؤرخ الإسرائيلي أن "الرئيس المصري الأسبق أنور السادات هو المفتاح لمعرفة وفهم تسلسل الأحداث التي سبقت الحرب؛ فقد وصل للحكم في أعقاب وفاة جمال عبد الناصر عام 1970، واعتقد الجميع أن السادات رئيس مؤقت وشخصية رمادية ليست لها أي أهمية وقريبًا سينتخب الرئيس الحقيقي، وكان الرجل مشاركًا منذ شغله لمنصبه في عدد من المبادرات السياسية لتسوية الصراع بين تل أبيب والقاهرة لكن لم تخرج لحيز الفعل".
وقال: "على سبيل المثال، في بداية 1971 اقترح مبعوث الأمم المتحدة جونار يارينج مفاوضات مباشرة بهدف التوصل لاتفاق سلام بين تل أبيب والقاهرة، السادات رد بأن مصر مستعدة لوقف العدائية واحترام حق إسرائيل في الحياة على حدود آمنة ومعترف بها وفتح قناة السويس للملاحة البحرية أمام سفن تل أبيب مقابل انسحاب الأخيرة من سيناء، ومؤخرا جدًا التزم الرئيس المصري الأسبق أمام وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز بوقف التواجد السوفييتي في القاهرة كجزء من الاتفاق".
وأشار إلى أنه "رغم الضغط الممارس من قبل روجزر والرئيس الأمريكي نيكسون، رفضت تل أبيب المقترح، وكان هناك محاولة أخرى ولم تكن الأخيرة للتوسط بين قيادات مصر وإسرائيل، قام بها نيكولاي تشاوشيسكو الرئيس الروماني الأسبق، وهي محاولة الوساطة التي أعربت كل من القاهرة وتل أبيب استعدادا مبدئيا تجاهها لكنها لم تخرج لحيز الفعل، وفي فبراير 1973 سافر حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري للولايات المتحدة حاملاً بشرى لهنري كيسنجر؛ وهي أن السادات مستعد لاتفاق بعدم القتال، مقابل انسحاب تل أبيب من سيناء بشكل كامل وتام".
واستطرد: "خلال اتفاقيات كامب ديفيد تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل اعترفت لأول مرة فعليا بقيام حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة".
ولاحظ أن "إسرائيل انتشيت بالنصر بعد حرب 1967، وشعرت بالسيادة والتفوق والاعتقاد بانها هي وجيشها لا يمكن أن يقهرا، وهو ما ميز أداء حكومة حزب العمل برئاسة جولدا مائير ووزير دفاعها موشي ديان، وأقامت تل أبيب فنادق في شرم الشيخ ومهرجانات موسيقية بمشاركة أفضل فناني إسرائيل، كما شيدت خطوط التحصينات المعروفة بـ(بخط بارليف) والتي كانت أكبر من خط ماجينو الذي بنته فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية استعداد للغزو الألماني".
وأضاف: "يمكن أن تقول أي شئ عن خط (بارليف) لكن إسرائيل كانت دولة فقيرة واستثمرت في هذا الخط الذي يمتد من 70 إلى 80 مترا، شيدت 32 معقلا وحصنا، وحفرت في الأرض ، وخلال حرب الاستنزاف التي قتل فيها 500 إسرائيليا، كنت جنديا حينئذ وزرت القناة كثيرا، لقد خصصت إسرائيل كل الحديد من أجل بناء الحصون تحت الأرض وتمهيد الطرق، وتم زرع ملايين الألغام، لقد تصرفت تل أبيب وقتها كما لو كانت قناة السويس هي حدودها الغربية وردت قياداتها بازدراء وتشكك على كل مبادرة تغير من هذا الوضع".
واستكمل: "السادات ذهب إلى الروس وطالبهم بأسلحة مضادة للدبابات ومضادة للطائرات وعتاد لعبور القناة وصواريخ أرض أرض وقاذفات بعيدة المدى من أجل إعادة سيناء إلى مصر، لكن موسكو اشترطت على السادات عدم عبور القناة إلا بموافقتها، وذلك كي تمنحه الوسائل القتالية، لكن الرئيس المصري رفض كي لا يبدو أمام النخبة العسكرية المصرية كدمية وأصر الروس على موقفهم".
ومضى المسئول السابق بالموساد قائلاً: "رفض موسكو كان الخلفية لقرار السادات بطرد الخبراء الروس من بلاده بعدها بأسابيع وبالتحديد في يوليو 1972، وبشكل عام تم طرد 20 ألف مستشار وعائلاتهم وأحد التفسيرات المنتشرة اليوم هي أن خطوة السادات هدفت إلى الانفصال عن الدعم السوفييتي والانتقال إلى نظيره الأمريكي، ومن ناحية أخرى استغلال الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية لصالح مصر واستغلال خوف الاتحاد السوفييتي من فقدان التأثير على القاهرة، ليصب في النهاية لصالح المصادقة على مطالب السادات من روسيا، وهو ما حدث بعدها بالفعل".
وقال: "علينا أن نفهم وندرك أننا لم نفز أو ننتصر في الحرب؛ انظر إلى يوم الـ12 من أكتوبر 1973 وهو اليوم الأكثر أهمية لمعرفة حجم المأساة التي عاشتها القيادة بتل أبيب؛ آنئذ قدم موشي ديالن وزير الدفاع استقالته لرئيسة الوزراء مائير والتي رفضت قبولها، وبعثت ببرقية عاجلة إلى كيسنجر تطلب فيها من واشنطن التوجه إلى الروس ليمارسوا ضغوطا على القاهرة ودمشق كي توقفا النيران والمعارك في الأماكن التي يتواجد فيها جيشيهما وبدون شروط مسبقة، وهي البرقية التي جاءت بعد رفض تل أبيب محاولات كيسنجر في أيام الحرب الأولى وقف إطلاق النار".
وأوضح أن "إسرائيل رفضت محاولات كيسنجر لأنها اعتقدت أنها في غضون يومين إلى ثلاثة أيام ستنتهي من عملية التعبئة لقوات الاحتياط وكل المناطق التي احتلها المصريون سيستردها الإسرائيليون، ولأن الولايات المتحدة لم تكن لتسمح لنفسها بأن تخسر حليفتها تل أبيب في مواجها ضد القاهرة حليفة الروس، لهذا اتخذ القرار بمد جسر جوي لتزويد الجيش الإسرائيلي بالعتاد القتالي".
وقال: "بسبب حرب أكتوبر وصلنا للحضيض، المصريون قتلوا 300 ضباط من سلاح المدرعات، قائد سلاح الجو أعلن أن تل أبيب وصلت إلى الخط الأحمر فيما يتعلق بتضاؤل عدد الطائرات الحربية، ديان ورئيس أركانه دادو أليعازر أصيبا بالصدمة، كل هذا تغير في الـ14 من أكتوبر 1973، حينما أعطى السادات الذي انتشى بالنصر هو الأخر تعليمات للجيش الثالث باختراق سيناء في اتجاه الشرق مقلصا بذلك وبشكل كبير من قوات الجيش المصري غرب القناة، وبهذا أتيحت الظروف لعبور قوات الهندسة والمدرعات الإسرائيلية لقناة السويس، وتطويق الجيش الثالث، الحدث الذي خلق توترا شديدا جدا بين واشنطن وموسكو ورفع من تأهب الولايات المتحدة لحرب نووية من المستوى 3، حيث المستوى 1 هو حرب نووية مؤكدة، الأمر الذي لم يجرى إلا مرات قليلة في التاريخ ولأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية".
وختم المسؤول الاستخباراتي قائلاً: "كي نتعلم لابد من الاعتراف بما قمنا به من أخطاء وأشياء سيئة، وعلى رأسها الانتشاء بالنصر بعد 1967، هذا يذكرنا بالواقع الآن هناك مقترحات سلام من دول عربية، وحكومة تل أبيب تتجاهل الأمر".   
calendar_month30/09/2017 05:31 pm