
كتب عاموس هرئيل، في "هآرتس"، أنه بدون أن نتجاهل للحظة مساهمة قسم المساعدات التكتيكية، فقد تضمن خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مؤتمر الأمن في ميونخ بيانين هامين. لقد هدد نتنياهو إيران بشكل مباشر بأن إسرائيل ستعمل ضدها إذا استمرت بالعدوان، وأضاف إلى ذلك تهديدا لاستقرار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا إذا واصل المساعدة على توطيد إيران في بلاده. مع كل الاحترام الواجب للأحبولة الكامنة في عرض جزء من الطائرة بدون طيار الإيرانية أمام المشاركين في المؤتمر، والتوجه الساخر إلى وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف، فإنه من المؤكد أنه سيتم تسجيل هذين البيانين وتحليلهما في طهران ودمشق.
قبل أكثر من سنة، وبعد وقت قصير من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأ نتنياهو بتغيير لهجته العلنية إزاء إيران. وفى سلسلة من الخطابات في الشهور التالية، وعد رئيس الوزراء بان "كل من يهدد وجودنا يعرض نفسه لخطر الفناء" وحدد أن القوة العسكرية الإسرائيلية "يجب أن تكون قادرة على التهديد بتدمير الذين يهددون بتدميرنا". وفى اجتماع مع رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، طلب منه نتنياهو نقل رسالة إلى الإيرانيين مفادها: "إذا تعاملوا معنا فانهم سيكونون في خطر. إسرائيل هي نمر وليست أرنب".
في الأشهر الأخيرة، قام نتنياهو أيضا بتغيير ترتيب التهديدات التي تشكلها إيران. ولم يتوقف عن التحذير من المشروع النووي الإيراني وأوجه القصور في اتفاقية فيينا (التي هاجمها أيضا في خطابه في ميونيخ)، لكنه قدم عليه خطر توطيد إيران في سوريا. وقد ظهر ترتيب الأمور لأول مرة في "خطاب المتجهمين" في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست في تشرين الأول من العام الماضي، وتكرر في خطابات لاحقة منذ ذلك الوقت، في حين يؤكد نتنياهو الجوانب العديدة للنشاط الإيراني على الحدود الشمالية لإسرائيل: التأثير على نظام الأسد، ونشر الميليشيات الإيرانية، والطموح لإنشاء مصانع للأسلحة، ميناء بحري وقاعدة جوية.
إن التجديد الذي أتى به أمس (الأحد)، هو التهديد بالعمل مباشرة ضد إيران: "سنعمل إذا لزم الأمر، ليس فقط ضد وكلاء إيران الذين يهاجموننا، وإنما ضد إيران نفسها". وفى توجه مباشر إلى ظريف الذي لم يكن في القاعة ولكنه تحدث في المؤتمر بعد ساعات قليلة، أعلن نتنياهو "لا تختبروا إصرار إسرائيل". وفي خطوة هي ليست الأولى، ظهر نتنياهو وكأنه يتكاتب مع شركائه-منافسيه في الائتلاف. ففي نهاية كانون الثاني، قدم الوزير نفتالي بينت، في كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي، ما أسماه "عقيدة رأس الأخطبوط" ودعا إسرائيل إلى تهديد إيران بشكل صريح ردا على التحركات الإيرانية في سوريا ولبنان.
لا يمكن التعامل مع تصريحات بينت ونتنياهو هذه، كما لو أنها لهجة فارغة المضمون. فالخطابات تأتي تزامنا مع حدوث تطورات هامة على عدة جبهات: نجاح معسكر الأسد، الذي تدعمه إيران وروسيا، في الحرب الأهلية السورية؛ التبادل المتكرر للتهديدات بين الرياض وطهران؛ النهج المحموم لإدارة ترامب، الذي لا يتم في هذه الأثناء ترجمته إلى قوة فعلية على الرض ضد إيران أو ضد الروس؛ إسقاط الطائرة الإيرانية بدون طيار وطائرة اف -16 الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي، خلال المواجهة التي هاجمت خلالها القوات الجوية، لأول مرة، أهدافا إيرانية في سوريا، وأخيرا التوتر على حدود قطاع غزة يوم السبت.
هذه فترة حساسة نوعا ما. ونتنياهو يثير في تصريحاته التوتر مع سوريا، أيضا. ففي تصريح استثنائي آخر في خطابه، قال إن إسرائيل لم تتدخل في الحرب الأهلية السورية حتى الآن "باستثناء تقديم المساعدات الإنسانية". (وسائل الإعلام الأجنبية نقلت مؤخرا عن ناشطين في منظمات المتمردين قولهم إنهم تلقوا مساعدات بالأسلحة والذخائر أيضا.) لكن وفقا لنتنياهو فانه إذا كان الأسد يدعو إيران الآن إلى بلاده فإنه يغير الموقف الإسرائيلي ويعرض مكانته للتحدي".
وكما كان متوقعا، رد ظريف برفض تصريحات نتنياهو، لا بل لسعه على تحقيقات الشرطة ضده بشبهة الفساد. ولكن مع مرور الوقت، سيتعين على الإيرانيين أيضا معرفة ما إذا لم يرجع نتنياهو إلى سياسة السير على الحافة تجاههم. بين عامي 2009-2012، وفي كل صيف، كان رئيس الوزراء يتعمد تسخين درجة الحرارة ضد إيران، من خلال المناقشة المكثفة لإمكانية شن هجوم عسكري إسرائيلي على مواقعها النووية.
ولم تتحقق تلك التهديدات، ومن المشكوك فيه أن يتعامل معها الإيرانيون على محمل الجد، ولكن نتنياهو بدأ عملية قادت إلى فرض عقوبات دولية شديدة على الاقتصاد الإيراني، مما أجبر طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات، وأخيرا قبول اتفاق فيينا. وهذه المرة، أيضا، لا تتوقف المسألة على ما ستفكر به الدول التي هددها، إيران وسوريا، وإنما كيف سيتم التعامل مع التحذيرات الإسرائيلية في بلدان أخرى تشارك في ما يحدث في المنطقة.